السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

رسائل السلام «البابا في العراق»

منذ الأزل والزيارات الرسمية بين الدول تنخرط في سياق الدلالات الرمزية، التي تسعى إلى وضع معالم على طريق بناءِ الدول وصبغ سياستها بالصبغة الدولية والعالمية، لتكون منهجاً لها في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، وضمن هذا الإطار تأتي زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية «فرنسيس» التاريخية إلى العراق، الذي يمر بمرحلة تُعد من أخطر المراحل التاريخية في صراعه على الهوية والاستقلال الكامل.

إن زيارة «البابا» إلى العراق إنما هي روحية بامتياز لزعيم روحي يدين له بالقداسة المُطلقة والزعامة الروحية ما يقارب مليارَي فرد، ويقر بها العالم أجمع بتعدد دياناته وكثرتها، لبلدٍ يراه جل هؤلاء بلداً ممزّقاً غير آمن تحيط به الحروب والنزاعات من كل جانبٍ، وتنتهشُه صراعات دينيّة حوّلته إلى خانةِ الخيارات الصعبة التي أقل ما يُقال عنها: «أحلاها مر» بين مشروع تحاول بعض الدول من خلاله قضم العراق وتحويله إلى ثكنةٍ عسكريةٍ للميليشيات الطائفية التي تأتمر بأوامر غير عراقية، ومشروع الفساد السياسي الذي يعمل على ربط البلاد بأجنداتٍ خارجيةٍ، ومشروع الإرهاب على يد التنظيمات الإرهابية كتنظيم «داعش»، الذي على الرغم من اندحاره لا يزال يشكّل خطراً نارياً تحت الرماد.

هذه الزيارة عدا عن كونها رسالة سلام لبغداد، فهي تُحمّل العراق، ولا سيّما الطبقة السياسية، مسؤولية الاضطلاع بواجباتها تجاه وطنها والمنطقة والعالم أجمع، بإعادة بناء مفهوم المسار الطبيعي لبلاد الرافدين لتأخذ دورها في القضاء على المشاريع التدميرية الطائفية، التي لا تهدف لشيءٍ إلا لجعل البلدان بؤراً للتشدّد والتطرف وحدائق خلفية للصراعات الدولية وساحةَ حربٍ بالوكالة لتصفية الحسابات على حساب العراق وطناً وشعباً، إذ لا ترى في وطن الحضارة والنور والعلم والسلام إلا ورقة لمُزايدةٍ هنا وعقدِ صفقةٍ سياسيةٍ هناك.


لذا لا بد اليوم من استلهام المعاني الروحية والرمزية التي تشعُّ من هذه الزيارة من أجل العمل على بناء عراقِ الدّولة، بهويته واستقلاله الذي يليقُ ببلدٍ كان منارة للحضارات الإنسانية التي عمرت الكون، وكان ينبوع الديانات السماوية السمحة، فأرضه منبت الكرامات والأولياء والرمزيات الحضارية، فلا بد للعراقيين اليوم من التنبُّه إلى هذه الحقيقة التي تليق بوطنهم وصيانتها من أجل وضعه على السكّة الصحيحة وإعادته إلى فطرته السليمة بكل ما فيها من سماحة وسلام، فالسلام وحده يليق بدار السلام.