السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

بابا الفاتيكان في بلاد الرافدين

كان للفاتيكان في زمن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني موعد محتمل لزيارة بغداد في عام 2000، في أوج الحصار الذي كان مضروباً على العراق جراء غزو الكويت، واجتمعت أسباب معوقة للزيارة من النظام السابق كون أنه كان يأمل تحركاً دولياً مؤثراً للفاتيكان بما يوفر ضغطاً على الإدارة الأمريكية لرفع الحصار استناداً إلى مقابلة الكاردينال روجر اتشغاري موفد البابا الراحل في عام 1998، إلى الرئيس الأسبق صدام حسين، وجرى خلال المقابلة ما فهمت منه بغداد أنها تعهدات لدور من الفاتيكان لرفع الحصار الخانق، وهو الأمر الذي لم يحدث وأثار بروداً في العلاقة.

وفي الوقت ذاته ناشدت المعارضة العراقية في الخارج التي وصلت إلى الحكم لاحقاً، الحبرَ الأعظم عدم المضي في قراره حتى لا يكتسب ذلك النظام شرعيّة ما جراء الزيارة، غير أن المبررات الإنسانية الملحّة لم تصمد أمام تأثيرات سياسية دولية عاصفة كانت في أوجها، فلم تمنح الفرصة للبابا وقتها تحقيق السبق في زيارة العراق تحت الحصار وتنبيه العالم المتجاهل إلى خطورة استمرار مأساة تجويع الشعب وليس النظام.

البابا فرنسيس أنجز الزيارة التاريخية إلى العراق في ظرف عصيب أيضاً يمر به بلد لم يتعافَ من ويلات الحروب الداخلية حتى اليوم، التي أفرزت معطيات جديدة لم تكن في الزمن الافتراضي لزيارة لن تتم عام 2000 تتمثل في مأساة المسيحيين العراقيين الذين طالتهم عمليات اضطهاد وتهجير نزوح بما جعل أعدادهم تقل عن ثلث ما كان تعدادهم قبل عام 2003.


هجرة المسيحيين جاءت على مراحل في العراق، منها كان نزوحاً من بغداد والموصل والبصرة إلى إقليم كردستان الآمن، ثم تطور بعد تفجيرات واقتحام كنائس ببغداد إلى هجرة تحت عامل التهديد الأمني، وحين احتل تنظيم داعش الموصل في يونيو 2014 قام بتهجير كامل المسيحيين الذين خيّروا بين ترك ديانتهم أو المغادرة فوراً.


بابا الكنيسة الكاثوليكية التقى القيادات السياسية والمرجعية الشيعية العليا في النجف، وأطلق دعواته لإسكات صوت السلاح لصالح السلام والتعايش والمحبة، وفي مواجهة ذلك هناك واقع عراقي معقد لم تستطع الحكومات المتعاقبة جميعها توفير ضمانات قاطعة لإرساء سلمه الاجتماعي والأهلي برغم الجهود الكبيرة المبذولة، ذلك أن للسلاح مسارب كثيرة نحو الشارع في أي وقت، وما يزيد من خطورة ذلك أن أحزاباً وسياسيين متنفذين يلعبون بهذه الورقة الحارقة.