السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

كورونا.. الأقنعة تتساقط

الخطوة الإيطالية بمنع تصدير ربع مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا كان من المفترض أن ترسل إلى أستراليا ليست بالجديدة، إذ سبقها كثير من الممارسات الدولية المشابهة، ومنها اعتراض الولايات المتحدة مسار شحنة تتضمن 200 ألف كمامة كانت متجهة إلى ألمانيا، وتحويلها إلى استخدامها الخاص.

إيطاليا عندما أقدمت على خطوة منع تصدير الشحنة كانت واضحة تماماً في دفاعها عن نفسها، بأن القرار جاء في إطار آلية استحدثها الاتحاد الأوروبي للسيطرة على اللقاحات، وأن روما أبلغت المفوضية الأوروبية بذلك، ولم تعترض عليه.

الاتحاد الأوروبي وعبر آليته للسيطرة على اللقاحات، شجع بشكل غير مباشر الدول الأوروبية على ممارسة نوع من «القرصنة الحديثة» وإعلاء قيم الدولة الوطنية مقابل المفاهيم الإنسانية الشاملة، وغضّ النَّظر عن مدى تضرر الدول الأخرى من هذه الآلية في حالة أشبه بالسياسات المتبعة أوقات الحروب، والتي تركز على حماية الداخل بغض النظر عما يجري خارج الحدود.


الصراع العالمي المحتدم اليوم حول اللقاحات يشكّل المرحلة الثانية من صراع كورونا، الذي بدأ بالسيطرة على المستلزمات الطبية والصحية، والآن دخل مرحلة السيطرة على اللقاحات، في سلوك نقض كل عُرى التعاون والتكامل الدولي، وفضح حجم الزيف والنفاق بشأن مفاهيم حقوق الإنسان وإنقاذ البشرية والدفاع عن مصالح الدول الأقل نمواً.


ما يحدث على أرض الواقع حالياً أشبه بانقلاب على النظام العالمي، والعودة إلى نظام التقسيم الجغرافي للدول لبناء تكتلات وتحالفات اقتضتها «المصلحة»، بعيداً عن طوباوية التعاون الدولي وضمان رفاه البشرية.

إن ما يجري ليس أكثر من تفضيل عرق بشري على آخر، إذ إن سيطرة الدول الكبرى على اللقاحات كونها تنتج على أراضيها، تعني بالضرورة حرمان مليارات البشر من الحصول على اللقاحات في الدول الأقل نمواً في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولعل الوصف الذي أطلقه أحد مسؤولي الصحة في العالم العربي بأن العالم يشهد حرباً عالمية على المطاعيم، هو الوصف الأكثر دقة لما يحدث من ممارسات عرفية تقوم بها دول كبرى كانت تمثل للكثيرين حول العالم منارات للتسامح والتعايش المشترك وحقوق الإنسان، إلا أنَّها ومع أول تحدٍّ حقيقي عادت إلى عقلية الحروب وسياسة «البقاء للأقوى».

باختصار، كورونا أسقط الكثير من الأقنعة والشعارات «الإنسانية»، التي خيمت على العالم لسنوات طويلة.. فهل تكون جائحة كورونا هي المفتاح الذي سيغير وجه العالم، ويعيد رسم خرائطه مرة أخرى؟