الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المدينة الفاضلة لم توجد بعد

يبدو أن قضية المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، في طريقها إلى الإغلاق، حيث أعلن عن تسوية مالية تحصل بمقتضاها أسرته على مبلغ 27 مليون دولار، اعتبر هو الأضخم في قضايا من هذا النوع.

اللجوء إلى التسوية المالية، يعني الإقرار والاعتراف بارتكاب الجريمة، ومن ثم لا إنكار، صحيح أنه كان هناك إنكار وتجاهل من الشرطة للقضية في الأيام الأولى التي أعت قبالجريمة، وأمام ضغط الرأي العام جرى الإقرار والاعتراف بوقوع الجريمة وتحديد مرتكبيها وتحويلهم إلى المحاكمة، لكن التسوية تعني إغلاق الملف دون اللجوء إلى المحاكم ونصوص القانون وجدل المحامين الطويل.

بهذه التسوية يغلق ملف تجاوزات الشرطة والاستهانة بحياة وكرامة المواطنين السود، رغم ما أعلن عن حجم كبير لتجاوزات ممنهجة تقع بحقهم سنوياً، التسوية المالية قريبة الشبه بما يعرف في مجتمعاتنا العربية وفي الفقه الإسلامي بالدّيَّة، لكن حين يتم الانتهاء عندنا إلى الدية في بعض القضايا تغضب الجماعات الحقوقية الدولية، وتعتبره تهرباً من المسؤولية القانونية والسياسية وإهدار حقوق الإنسان.


ولو أن جريمة قتل فلويد وقعت في أي من بلداننا، ما رضيت الجماعات الحقوقية (الدولية) والمحلية من خلفها بأقل من إسقاط النظام برمته ورحيل الرئيس مع ضرورة كسر جهاز الشرطة بأكمله والتشهير بكل العاملين به ليلاً ونهاراً، بل تشكيل ميليشيات لتصفية كل من يمكن الوصول إليه من أفراد الشرطة، بدءاً من الوزير المسؤول وقد يجد كل ذلك مساندة دولية، الواقع ينبئنا بأنه لا يوجد مجتمع ما دون تجاوزات وأخطاء تقع وجرائم ترتكب، المدينة الفاضلة لم توجد بعد على الأرض، سوف تبقى حلماً نسعى إليه، لكن هناك من يصرُّ على تقديم المجتمع العربي باعتباره كتلة من التجاوزات والجرائم، وأننا وحدنا نتفرد بذلك.. التَّوقف أمام تلك الازدواجية في المعايير، واستخدام مفاهيم حقوق الإنسان، لا لذاتها بل لتدمير عدد من دول المنطقة العربية، لا يعني قبول أي انتهاك لحياة المواطنين، ناهيك عن المساس بها، على طريقة ما جرى مع فلويد وآخرين غيره.


كل بلد يتعامل مع قضاياه بطريقته وآلياته هو، وما يرتضيه أطراف كل قضية، وكذلك ما يتقبل المجتمع، المشكلة تظهر حين يتصور فريق أو جماعة ما أو حتى دولة أنها باسم عالمية حقوق الإنسان، يجب أن تفرض أولوياتها وآلياتها على الآخرين، علينا نحن تحديداً.