الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حصاد الفشل

الثورات عادة ما تكون حركة غير محسوبة أو مضمونة العواقب، لأنها لا تسير وفق خطة أو منهج وذلك لغلبة الأبعاد العاطفية عليها، وعادة ما تقاس الثورات بنتائجها، وليس ببداياتها، ولا بتطوراتها، ويتم حساب النتائج بطريقتين، أولاهما: الآثار والأضرار التي أحدثتها الثورة في المجتمع، وثانيهما: طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ينتج عن الثورة.

وإذا نظرنا إلى ما أطلق عليه البعض «الثورات العربية»، وأطلق عليها آخرون الانتفاضات العربية، أو الربيع العربي فسنجد أن النتائج في كل الأحوال، وفي جميع النماذج بعيدة عن أي مؤشر إيجابي، فقد نتج عن هذه الثورات تدمير ثلاثة مجتمعات عربية هي سوريا واليمن وليبيا بصورة كاملة تدميراً يعيدها قروناً إلى الوراء، وتحتاج إلى عقود من الزمان وتريليونات من الدولارات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وفي الدول التي نجت من الحروب الأهلية مثل تونس ومصر أحدثت الثورات تأثيراً اقتصاديّاً قاسياً عطل خطط التنمية، وأعاد الاقتصاد الوطني إلى الوراء.

وعلى المستوى السياسي، لم يحقق أياً من هذه الثورات ما يعنيه مفهوم الثورة؛ بل جاءت الثورات بنظم أكثر تخلفاً ورجعية واستبداداً، مع صعود التيارات الدينية في جميع الدول العربية التي شهدت هذه الثورات؛ ما دفع الشعوب إلى الثورة على الثوريين الرجعيين؛ الذي ظنُّوا أنهم يستطيعون توظيف الثورات لتمكين جماعات توظف الدين لأغراض سياسية، دون أن تستوعب قيم الدين، أو تفهم حقائق السياسة.


أما على المستوى الثقافي والإنساني والاجتماعي فقد أنتجت الثورات العربية في نهايتها نماذج لم تكن في حسبان أي دارس للعلوم السياسية، أو تاريخ الثورات، فلم يتخيل أي مفكر من الذي نظّروا وكتبوا عن الثورات أن يتحول الثوار إلى مجموعة من المرتزقة الذين يتاجرون بمصائر شعوبهم لحساب دول تعادي أوطانهم، وأصبحوا نمطاً من المعارضة الهاربة التي ترتزق من نظم وحكومات توظفهم ضد دولهم، وتحولهم إلى معاول هدم لمجتمعاتهم، وتدمير لدولهم، ولم يخطر على بال أكثر المتشائمين من الثورات أن يتحول ثوار سوريا إلى مرتزقة مأجورين سواء في ليبيا أو في أذربيجان.


هذه النهاية المأساوية للثورات العربية يتم تلخيصها في ليبيا وسوريا واليمن، حيث تحول الثوار إلى عملاء في اليمن، وإلى خونة في سوريا يبررون استيلاء الأعداء على أرضها، وعلى التعليم والخدمات فيها، وحتى النقود، وفي ليبيا تحول الثوار إلى مرتزقة سوريين، وخونة ليبيين يرحبون بالبوارج التي جاءت لتحتل بلادهم.