الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حوار بين المُتصلِّب والمَرِن

يشبه تنحِّي بابا الفاتيكان في فبراير عام 2013، وانتخاب بديل منه قبل وفاته حدثاً نادراً، لا يشهده العالم إلا مرَّة كلّ مئات السنين، ولعلَّ أفضل من وثّق ذلك، هو فيلم «الباباوان»(2019) للمخرج البرازيلي، فرناندو ميريليس.

استقالة بنديكتوس تحت وطأة فضائح فساد مالي وابتزاز طالت مسؤولين رفيعين في الكنيسة، عرفت بالـ«فاتيكان ليكس»، وتزامنت مع شبهات بتستّر روما على جرائم تحرّش كهنة كاثوليك بقاصرين لسنوات، يضاف إلى ذلك، تقدّم البابا في السنّ، وعجزه عن أداء مهامه كراعٍ لحوالي 1.2 مليار مسيحي كاثوليكي في العالم.

ينطلق الفيلم من أحداث حقيقيّة، لكنه يتخيّل لقاء لم يحدث بالفعل، بين بنديكتوس قبل تقاعده الاختياري، والكاردينال الأرجنتيني المشاكس خورخي بيرجوليو، الذي سيصبح البابا فرنسيس الأول.


الفيلم مأخوذ عن مسرحيّة لمكارتن بعنوان «البابا»، استلهمها الكاتب من تجربة البابا فرنسيس وحياته، وصعوده إلى رأس الكنيسة، وآرائه المثيرة للجدل، وشعبيته المتنامية.


يتفادى الفيلم البحث المعمّق في دهاليز الفساد، واعتمد الفيلم على نقاشٍ حاد وجاد وممتع وإنساني بين وجه الكنيسة التقليدي المتصلّب متمثلاً بالبابا بنديكتوس (أنطوني هوبكنز)، ووجهها التقدّمي والمرن متمثلاً بالبابا فرنسيس (جوناثان برايس).

اعتمد الكاتب على جمعه لأحاديث وخطابات وكتابات لاهوتيّة للرجلين، تبيّن مواقفهما ورؤيتهما لما يجب أن تكون عليه صورة الكنيسة وتخيَّل الحوار، ولا يقدّم الفيلم لاهوتاً ولا مراجعة تاريخية لأخطاء الفاتيكان، بل يحاول أنْسنة الشخصيتين.

لا يركب فرنسيس السيارات الفاخرة، ولا الطائرات الخاصّة، ولا يرتدي الأحذية الحمراء، ولا الصلبان المذهّبة، وحين يجوع، يشتري البيتزا من كشك في الشارع.

بنديكتوس عازف متمكّن لموسيقى موزارت الكلاسيكية على البيانو، وفرنسيس راقص تانجو متمكن، يبدأ الفيلم مدندناً أغنية Dancing Queen لفريق ABBA، وبنديكتوس يفضّل العزلة وقلّة الكلام، وفرنسيس مشجّع لنادي سان لورينزو الأرجنتيني في كرة القدم.

في أحد أكثر المشاهد طرافة، يتخيّل الفيلم الباباوين وهما يشاهدان نهائي كأس العالم 2014 بين منتخبي ألمانيا والأرجنتين، ويُشجِّع كلّ منهما منتخب بلاده.

في مشهد آخر، يحاول البابا فرنسيس تعليم البابا بنديكتوس رقص التانجو، يضحكان، يتعثران، ويشتبكان، ثمّ يغادران وقد حمل كل منهما أثراً من الآخر.. إنه حقاً فيلم جدير بالمشاهدة أكثر من مرَّة.