السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

لا مستقبل بدون وجهة واتِّجاه

لا يستطيع أن يتحرك الإنسان من مكانه إلا إذا كان يعرف إلى أين المسير، وكذلك المجتمع، ولا يستطيع أن يحقق الإنسان أي شيء في حياته إلا إذا كان يعرف أهدافه بوضوح شديد؛ حتى لو كانت بسيطة جدّاً.

ولا تُقبل صلاة المؤمن إلا إذا توجه صدره، ووجهه إلى قبلته التي يؤمن بها، وكذلك المجتمع، لذلك كانت كلمة القبلة تعبير عن الوجهة الجامعة لكل أفئدة المجتمع، ومن نفس الجذر اشتقت اللغات الأوروبية كلمة الوجهة أو الاتجاه من قبلة المسيحيين في الشرق، فكانت كلمة الشرق بالفرنسية «Le Orient» هي جذر ومصدر كلمة الوجهة والاتجاه والتوجيه في اللغات الأوروبية Orientation.

الوجهة هي بداية الطريق، هي المنطلق نحو هدف محدد، جميع المجتمعات الناجحة تعرف وجهتها، ويعرفها أفرادها، ويسعون جميعاً بكل جهد نحو هدف محدد، وقد تكون الوجهة شيئاً بسيطاً وهدفاً محدوداً؛ لكنه عندما تلتقي عليه قلوب وعقول الشعب يتحول إلى هدف عظيم، ينهض بالوطن ويرتقي به ليكون في مقدمة الأمم، فالمهم ليس طبيعة الوجهة أو القبلة أو الهدف، وإنما الأهم هو التقاء القلوب والعقول فيها، وإجماع المجتمع عليها، وتوحد الشعب إليها.


مجتمعات كثيرة فقدت وجهتها، فقدت قبلتها، فقدت حلمها، لذا أصبح لكل فرد فيها أو جماعة أو حزب، أو شلة أو عصابة وجهتها وقبلتها وحلمها، وأصبحت الوجهات متضاربة متصادمة متصارعة، لذلك جميعها «محلك سر» تتحرك بقوة شديدة، ولكن لا تبارح المكان، لا تتحرك خطوة واحدة للأمام، تتصادم بمنتهى العنفوان، لأن لها وجهات متعاكسة، لا تعرف ما هو الفارق بين اختلاف الأهداف المرحلية واختلاف الوجهة والحلم؟ّ!، ولا نعرف كيف تكون للمجتمع والدولة وجهة وأهداف بعيدة المدى مُجمع عليها؟ وكيف تكون للأفراد مصالح وأهداف فردية قد تكون متنافسة أو متصارعة؟ إذ هناك فارق كبير بين الاثنين.


كانت لمجتمعاتنا وجهة وأهداف وطنية، وكان لها اتجاه تعرفه، يدركه المتعلم والأمي، الجميع يعرف ماذا نريد، يعرف الأهداف الكبرى والمصالح الكبرى، والجميع يعرف العدو من الصديق، والجميع يعرف من يهدد مصالحنا، أو يهدد وجودنا، كان كل مجتمع أمة لأن مفهوم الأمة مشتق لغويّاً من الجذر «أَمّ» أي توجه أو اتخذ اتجاهاً معيناً، فيقال إن الماشية تؤم الماء، ولكن الآن للأسف تشتت الكثير من المجتمعات العربية، فلم تعد أمة ولا شعباً، كل جماعة فيها أو حزب أو عصابة هي أمة في ذاتها تعادي الأمم الأخرى المجاورة لها في نفس المجتمع.