الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

المجتمعان السياسي والمدني في الجزائر

خلال عقد تسعينات القرن الماضي ساد التنظير والتفكير في ظاهرة العولمة، وفي خضمها بدأ الحديث عن هيمنة المجتمع المدني وزيادة سطوته وتأثيره على الحكومة والمجتمع، ثم تراجع الحديث عن العوملة في العقد الأخير، لكن المجتمع المدني لا يزال عالي الصيت، وهناك حالياً مجتمعان متكاملان ومتضادان في الوقت ذاته، هما المجتمع السياسي والمجتمع المدني.

يتمثل المجتمع السياسي أساساً في الأحزاب التي تسعى للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها وإدارة شؤون العامة والحكم، ويعود لها الفضل في نقل الصراع الاجتماعي من العنف إلى الأفكار والبرامج السياسية، وجاء ابتكار الانتخابات عن طريق الصناديق لتعزز هذا التوجه، وبهدف الحيلولة دون تغوّل المجتمع السياسي كان لا بد من سلطات مضادة تقابله، وتتمثل خاصة في الأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.

هذا الأخير تظهره الجمعيات غير الربحية، التي لا تهتم بالسياسة إلا من باب مراقبة عمل الحكومة لمنعها من الفساد، والعمل على تأطير المجتمع حسب القطاعات والقيام بدور التوعية والأعمال الخيرية وما شابه ذلك.

وأصبح للمجتمع المدني تأثير عالمي، فالمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان وصل تأثيرها لكل دول العالم، عن طريق التقارير الدورية التي تصدرها والتجمعات المناهضة التي تنظمها. وأصبح لها دور حتى في ترتيب الدول على الصعيد العالمي وعلى صناعة القرار الدولي.

ومن الصعب جداً أن يتحول المجتمع المدني إلى مجتمع سياسي والعكس صحيح، لكن في الجزائر مثلاً، هناك توجه رسمي لتحويل المجتمع المدني إلى مجتمع سياسي، حيث يتم تشجيعه على خوض الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها شهر يونيو المقبل، ويبدو أن الرئيس عبدالمجيد تبون يرغب في تكوين أغلبية برلمانية من هذا المجتمع تمكنه من السيطرة على البرلمان وعلى الحكومة، وبعهدها يمكن إنشاء حزب أو عدة أحزاب موالية له من الجمعيات التي تفوز بمقاعد برلمانية.

وهناك حالياً ثلاثة تكتلات للمجتمع المدني تعمل على قدم وساق لتنظيم نفسها لخوض الانتخابات، الأول يسمى «نداء الوطن» تقوده الكشافة الإسلامية التي نشأت خلال الحركة الوطنية، ولعبت دوراً في التوعية السياسية وثورة التحرير لاحقاً.

والثاني، يسمى «الحصن المتين» يضم عدة جمعيات، وعقد مؤخراً تجمعاً كبيراً بقاعة رياضية بالجزائر العاصمة، أما الثالث فيسمى «المسار الجديد» يضم بدوره عدة جمعيات، وكان قادته نشيطين خلال حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

يبقى السؤال المطروح الآن: هل يستطيع المجتمع المدني أن يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، أم أن ذلك لا يتعدى كونه «شراء الحوت في البحر»؟