الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المحكمة الدستورية التونسية.. والمناورة

أن يرفض الرئيس التونسي قيس سعيّد ختم القانون الخاص بالمحكمة الدستورية، فذلك لا يعود فقط لخلل دستوري شابَ القانون، بل يرجع أيضاً إلى حيثيات سياسية عميقة مستمرة منذ سنوات.

صحيح أن التونسيين أجمعوا على أن غياب المحكمة الدستورية كان له وقع خطير على الحياة السياسية منذ إقرار دستور عام 2014، لكن ذلك الإجماع لا يعني أن إرساء المحكمة الدستورية غاية في حد ذاته، ولا يبرر أيضاً التسرع في تشكيلها خدمة لغايات حزبية ضيقة، تحيل إلى عقلية الغنيمة ومصادرة البلاد ومؤسساتها.

على ذلك كان الاتفاق القديم على ضرورة إرساء المحكمة الدستورية يهدف إلى الوصول إلى دولة القانون، لكن التسرع السياسي الراهن، نتج عنه قانون أعد على عجل لكي تتأسس المحكمة بغاية افتكاك تأويل قيس سعيد للدستور، وبهدف عزله رمزياً وفعلياً.


في هذا المناخ المشوب بالمناورات رفض سعيّد ختم قانون المحكمة الدستورية، وأعاده إلى البرلمان من أجل قراءة ثانية، وعلّل رفضه بدواعٍ قانونية وأخرى سياسية، وكان عدم ختم القانون الخاص بالمحكمة الدستورية في عمقه يمثل رفضاً لتحويل المحكمة إلى دار إفتاء تأتمر بأوامر النهضة وما تبعها.


في الأيام التي تلتْ موقف سعيّد تصاعدت أصوات نهضوية كثيرة اتهمته بتعطيل إنشاء المحكمة الدستورية، وتغاضت تلك الأصوات عن التعطيل الذي استمر طيلة 5 سنوات، وفي خلفية التسرع نحو تمرير قانون مرتجل وفي عمق الموقف الحاد تجاه قيس سعيّد، خلفيات سياسية تتقصّدُ الاستيلاء على المحكمة الدستورية، لمنع إرساء دولة القانون التي يتطلع إليها التونسيون.

منذ أفرجت انتخابات عام 2019 عن نتائجها، وأفرزت صعود قيس سعيد إلى سدة الرئاسة، ووصول راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان، بدا واضحاً أن النهضة تستعمل شتى صنوف المناورات من أجل تكبيل الرئيس في زاوية صلاحياته المحدودة.

في المقابل آمن سعيّد بمقولة «الحيلة في ترك الحيل»، وتمترس في مربعه القانوني الذي يحفظُ خباياه، من أجل صدِّ كل المناورات.

في المعركة الأخيرة حول المحكمة الدستورية كان سعيّد حريصاً على احترام الدستور الذي ارتجلته الطبقة السياسية الراهنة، فخرج في شكل بناء فوضوي دون انسجام ولا تناسق.

وفي السجال الجديد بين سعيّد والنهضة، حضرت الصرامة الدستورية مقابل المناورة السياسية، وإذ تعالت الأصوات المنددة بـ«تعطيل» سعيّد للحياة السياسية في تونس، فإن ذلك لا يمثل سوى تطبيق جيّد لمقولة الحق الذي يرادُ به باطل.