الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

فصل الدين عن السياسة

كان في العصور الوسطى للكنيسة قوة وسلطة كبيرتان على جميع الدول والملوك في أوروبا، فاستولت من خلال رجالها على الثروات وأصبحوا يتحكمون في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولأنهم لا يملكون الخبرة لإدارة هذه المجالات انتشر الجهل والفقر في القارة، فكان حل الكنيسة هو التوجه إلى العالم الإسلامي الثري، وبذلك ظهرت الحملات الصليبية باسم الدين للحصول على نور وثروات الشرق.

وبعد سنوات وحملات عديدة اكتسب فيها الفلاحون والفقراء الأوروبيون القوة كجنود في الحملات الصليبية، ثم عادوا إلى دولهم، ليجدوا أنفسهم تحت حكم وعبودية الكنيسة مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانوا قد تشبعوا بأفكار جديدة من المسلمين، بعدما اكتشفوا أن رجال الدين عند المسلمين لا يتحكمون في أمور الدولة، وأنهم معنيون فقط بما ينفع الناس، من خلال القضاء والافتاء والعبادات، وبالرغم من أن الخليفة أو السلطان يعتبر رجل الدين الأول، لكن كان لديه رجال متخصصون في الاقتصاد والتجارة وصناعة يفهمون فيها، ومن هنا ظهرت في أوروبا فكرة فصل الدين عن السياسة.

في بدايات القرن الـ20 أطلقت جماعة الإخوان المسلمين، كجزء من صراعها السياسي في مصر مع الحكومة شعار «الإسلام دين ودولة»، وذكر الأب الروحي لجماعة «الإخوان» سيد قطب أن شعار «فصل الدين عن السياسة» عائد إلى مفهوم (أوروبي ـ كافر) بفصل الكنيسة عن الدولة، وتم الترويج له من قبل أتباع ومناصري جماعة الإخوان بهدف أن تصل الجماعة إلى السلطة والحكم باعتبار أن الإسلام (دين ودولة).

يرى بعض الباحثين أن مصطلح (العلمانية) في الأصل مشتق من كلمة العالم، وليس كما ترجمها الإخوانجية مع مصطلحات أخرى من أجل أن يستغلوها في توجهاتهم وأخذتها للأسف مجامع اللغة في الوطن العربي بدون تدبر وفهم للمعنى الحقيقي في ذلك الوقت مثل كلمة (التنوير)، والحقيقة أن مفهوم (فصل الدين عن الدولة) هو أن تهتم الدولة بشؤون التنمية المجتمعية مثل: تنظيم التجارة والاقتصاد والصحة وقوانين التعمير والبناء والمرور وتنظيم التعاون السياسي مع الدول الأخرى.

إن «فصل الدين عن الدولة» يعني حماية الدين والعقيدة من العابثين بهما، وعدم السماح باستغلال الشعائر من أجل إشباع مصالح بعض المنظمات أو الأشخاص، عن طريق رفع شعارات «دينية» لاستغلال عواطف الجمهور، وبالتالي الحيلولة دون التحول إلى دولة طائفية لا تعترف بالأديان الأخرى، وهذا يخالف توجه الدين الإسلامي.