الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نسخة «صينية» من العلاقات الدولية

قبل عامين كنت في زيارة طويلة بعض الشيء للصين، حاولت خلالها أن أجد إجابات لكثير من التساؤلات العالقة حول طبيعة التركيبة الثقافية والاجتماعية لهذا التنين العملاق، الذي بات يزاحم على قيادة العالم اقتصادياً.

وكان السؤال الأبرز يتعلق بقدرة الدولة الصينية على إدارة هذا الحشد من البشر الذي يقترب من المليار ونصف المليار، وتوجيه إمكانات وقدرات هذه الكتلة السكانية الأكبر في العالم لخدمة برامج التنمية التي رسمها الحزب الشيوعي، الذي يحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيسه.

لا تبدو الإنجازات المتسارعة التي حققتها الصين بعيدة عن طبيعة التركيبة الثقافية لهذا البلد مترامي الأطراف، حيث لم تتعرض البلاد لموجات من التطرف الأيديولوجي، الذي كان يمكن أن يؤسس لصراعات ثقافية، بالنظر لأن أهم ديانتين أو مدرستين فكريتين في الثقافة الصينية كانتا قائمتين على مفاهيم أخلاقية لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، ونشر قيم الحكمة والتسامح أكثر من كونهما مذاهب أو اتجاهات دينية.

ومن يتأمل قيم الطاوية والكونفوشيوسية يدرك أنها صنعت الصين التي نراها اليوم خالية من عقد الصراعات الثقافية والدينية والأيديولوجية، وهي كلمة السر ربما التي أسهمت في خلق معادلة التفوق الاقتصادي الذي غزا العالم بطريقة تختلف كلياً عن الغزو الغربي الذي ترك ندباته في كل بلد.

ومن أهم ما يميز السياسية التي تنتهجها هذه الدولة اليوم، أنها تتسم بالواقعية سواء في التعامل مع القضايا الداخلية او الخارجية، حيث يعلو مبدأ الشراكة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، في نمط جديد من العلاقات الدولية لم يألفه العالم من قبل في ظل استشراء سياسة الاستعمار والغزو وتصدير القيم الغربية المعلبة التي اجتاحت العالم.

وتنسجم السياسية الصينية في علاقاتها الخارجية مع حساسيتها كذلك تجاه التدخل الخارجي في شؤونها، الذي عانت منه عبر تاريخها الطويل لدرجة وُصف جزء من تاريخها الحديث بقرن الإهانة بعد أن تعرضت لموجات من التدخل والغزو الخارجي.

وقد استطاعت الصين بعد ذلك أن تصنع نسختها الخاصة من العلاقات الخارجية القائمة على مبدأ الشراكة الاقتصادية وتبادل المصالح، وتحول مشروعها «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» إلى جسر عبور ممتد منها إلى أقاصي الغرب، وهذا المشروع باعتقادي بات اليوم أكبر الرهانات الاقتصادية، والذي يمكن أن يغير وجه العالم إلى الأبد ويخلق نمطاً جديداً بعيداً عن سياسة الهيمنة.