السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

ليس كلُّ ما يلمع ذهباً

جُبلت النفسُ البشريّة على حبِّ مَن أحسنَ إليها، ولكن ليس كلُّ الإحسانِ إحساناً، فمن محسنٍ لشهرةٍ وفخرٍ وتباهٍ يصيبه، إلى محسنٍ من أجلِ أهداف وغاياتٍ دنيئةٍ، ولا سيّما من تلك المنظمات غير الرسميّة، والتي تنشَطُ باطّرادٍ مع شهر الخيرِ مستغلةً حاجة الضعفاء والأجواء الكرنفالية لحملات التبرع الرمضانيّة.

فعلى الرغم من أهمية مساعدة المحتاجين، إلا أنّ هذا لا يمنعنا من الحذر من تلك المنظمات الخطرة المتقنّعة بلثام الخير، التي قد لا يكون لها من غايةٍ سوى تمرير بعض الأجندات السياسية، أو الصفقات وإيصال المساعدات بذريعة العمل الخيري إلى تنظيمات إرهابية أو تخريبيّة، أو بما يسهم في إشعال فتيل الأزمات، والأمثلة على ذلكَ أكثر من أنْ تُحصى، كالجمعيات التابعة لتيار الإخوان المسلمين التي تعمل بالظل، بل ربما تصل إلى حدّ السياسة الدوليّة؛ كاستغلال بعض الدول – مثلاً – للجانب الإنساني والمساعدات الخيرية كبابٍ لإيصال الدعم اللوجستي بل وحتى العسكري، بالإضافةِ إلى الكثير من المنظمات المتسمة بسمة الدوليّة التي كانت تدعم تنظيم داعش في سوريا والعراق وغيره من التنظيمات المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي.

ولكن هذا لا يعني بأنّ كلّ من يقدّم المساعدة أو يفعل الخير هو في ميدان الريبة، بل إنّ معاني الخير والترفّع عن تلك الممارسات المسيئة للأديان والإنسانِ لا تزال موجودةً، ولا سيّما في المنظمات الدوليّة التي تعمل في العلنِ، ودونَ أيّ تحفظَاتٍ أو مفاضلاتٍ عرقيّةٍ وسياسيةٍ وطائفيّةٍ أو حتى جنسيّةٍ، ومن تلك المنظمات – على سبيل المثال لا الحصر – منظمة الهلال الأحمر الإماراتي التي لا تزال منذ ما يقارب الأربعة عقودٍ وهي تجوب أصقاع الأرضِ بحثاً عن المحتاجين أينما وُجدوا، مغدقةً عليهم بما يسدّ عوزَهم ويكفل استدامة نمائهم، فعلاوةً على كونها منظمة دوليّة مرخصةً ومعترفاً بها، فهي تتمتع بسمعة طيبةٍ إقليمياً ودولياً بمهنيتها المطلقة.

كلّ هذا يجعلنا أمام مهمّةٍ صعبةٍ ولكنها تستحقُّ؛ ألا وهي مهمّة التشجيع والدعم لفعل الخير، والحذر في الوقتِ ذاته من أنْ يتحوّل فعل الخير إلى ثغرةٍ تتحولُ منها التبرعات على يد تلك المنظمات السوداء إلى نِصالٍ لجزِّ الرّقاب، وإذاقة الإنسان طعم السمّ المدسوس في العسلِ؛ إذ ليس كلُّ ما يلمع ذهباً.