الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الوجع العام.. و«التهوُّر البشري»

يُؤرقنا الوجع العام وإن لم نكن أطرافاً فيه، ومع ذلك يظل أفضل بكثير من غياب الشعور بمعرفة تلك الحدود الفاصلة بين المتعة ـ اللّذة والألم، إذ إن في اختلاطهما حين تنسفُ الحواجز، احتلال لموقع «الأنا»، والعمل على إقصائه بعيداً، لا ليحل الضمير الجمعي، ولكن ليبقى عندها فقد التمييز إن كان في حزن هو أم في فرح، ويتبع ذلك بفقدان الأهلية.

الحال تلك ليست خاضعة لاجتهادات لجهة القول: إن تقييم الناس للمتعة أو الألم مرتبط أساساً بنظرتهم النابعة من ثقافاتهم، بحيث ترجيح كفة الاجتهاد الوهمي على حساب المشترك بين البشر، وسيتثنى من ذلك الذين هم خارج القواعد العامة، من حيث هم حالات خاصة، قد تحفظ ولكن لا يقاس عليها.

ذلك، قد يحيلنا إلى مناقشة الوضع العالمي في ظل الوجع العام، من ناحية البحث عن مخرج يرافق الاجتهادات العملية والعلميّة التي تبذل على نطاق واسع وبتضحيات بشرية وزمانية ومادية مكلفة، والتي رغم الاستجابة لها وما تبعها من فوائد لا تزال محصورة في تصور البشر لحروب ابتدعوها باعتبارها حلولاً.


ويأتي هذا من الاعتقاد بأن القضاء على كل الكائنات هو الحل الوحيد لننعم بحياة هادئة وهنيّة، وكأن لكل جماعة بشرية ــ مهما كان حجمها وعدد أفرادها ــ قدرة اختراق فضاءات الكائنات الأخرى، بنفس طريق احتلال البشر لبعضهم بعضاً، وفي ذلك نوع من السفاهة غير المقصودة، لا نملك أمامها إلا خياراً واحداً، وهو القضاء على «التهور البشري»، من خلال إعطاء الفرصة لأهل الحكمة، وذلك حتى نُوقف «التورط الجماعي» في الابتعاد عن متطلبات الإيمان وشروطه وتبعاته.


إن النأي بالنفس، أو حماية الآخرين من شرورنا أو العكس، أو الاعتقاد بإمكانية أن تتوفر لدينا رقابة عامَّة، أمور مطلوبة وضرورية، لكنها غير مضمونة التحقق، ليس فقط لأننا أضعف من التحكم في أنفسنا، ولكن لأننا نصل في الغالب إلى جدار عازل وفاصل بين ما تضمرهُ ضمائر البعض منا، وبين كثرة لاهية يتحكم فيها هواها، ثم إن في الاقتراب من البعض أو الابتعاد غير مُمْكِنين لأننا لسنا في جُزر نائية ومعزولة تخص الفرد دون الجماعة، مهما كان حجمها.

كل هذا، ينتهي إلى القول: إن الوجع العالمي حالة دائمة، لكنها ليست شاملة دائمة، فالرخاء أو الشدة، الحرب أو السلام، الجوع أو الشبع، وحتى الصحة والمرض، ليست مقسمة بطريقة بما يجعلها تشملنا جميعاً في وقت واحد بنفس القدر، لكن الوجع العام الآن شامل بأعراضه، وبالخوف منه، ونحن نراه يتوجه بنا نحو هلع لا نظير له، حتى لو حاولنا إخفاءه وراء التمتع بلحظة عابرة.