الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأصل والعصر.. و«الإنسان الكوني»

أهُو بحث جاد وهام أن تشغلنا أصولنا الماضية، ونحن نعيش حقبة «الإنسان الكوني»، حيث التعاون بين الأمم ينطلق من الأوطان في تحالفها ضمن تكتلات على ما يجمعها من تجارة أو صناعة أو عسْكرة أو ثقافة؟.. أحسب أن ذلك لا جدوى منه في حالة الضعف، وإن كان لا بدّ من طرحه فليتحقق في زمن القوة، إذن فلنجعل الطريق إليها هي همنا الأكبر.

سيقول البعض ـ أو الكل ـ سواء أقبلوا هذا النوع من النقاش أو رفضوه: ما جدْوى الرفض، ونحن ننتمي بالفعل لأصولنا.. وهي حاضرة؟

أجيبهم: الإقرار بالواقع لا يعني الحقيقة أوّلاً، وثانياً: لا يمثل النكوص هنا عودة آمنة ولا ملاذاً آمناً، ذلك لأن الخريطة الجينيَّة الآن تغرقنا في أزمنة الأنثروبولوجيا، ونعود محملين منها بعبء الشَّك والظن، حين يكتشف كثير منا أنهم من أمم أخرى، لا هي من الأكثرية في الدول العربية، ولا هي من الأقلية.

لقد حان الوقت أن نميز ـ أفراداً وجماعات، شعوباً وحكومات ـ بين أمرين يتعلقان بمسار حركتنا في الحياة، الأول: الحياة في العصر، والثاني: الحياة في الزمن، ذلك لأن هناك خلطاً واضحاً بين الاثنين، أدى بنا اليوم إلى توجيه النظر بكامله إلى الوراء حتى فقدنا السير إلى الأمام، وإذا بنا نصطدم ـ دون بصر ولا بصيرة ـ بوقائع وأحداث ومواقف، أغرقتنا في «نظرية اعتبار كل ما مضى جميلاً»، مع أنه لأمة خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا، والمحصلة هي إصدار أحكام قيمية ذات طابع تعجيزي.

قولي هذا لا يعني نفي الأصول، ليس فقط لأنها تلهو بنا في تقلبات الحياة، ولكن لأن رفضها يعني العدميَّة، إذْ لا وجود للأفراد وللجماعات وللشعوب بعيداً عن الأصول، إنما المقصود أن يتركز حديثنا راهناً ومستقبلاً حول الأصول الحاضرة، التي تجعل منا شعوباً فاعلة داخل أوطاننا.

وعلى نحو آخر أن يعي السفهاء منَّا أن نهاية أباطيلهم وزيفهم قد قربت، وأن نتنبّه لأهمية ما تقوم به القلة من أهل الرشد والحكمة في دولنا من «خيريَّة» إن أخذنا بها أخرجتنا من ضيق الأصول إلى سعة العالم الرحب، حيث علاقات البشر المنفتحة، وحيث عالمية الإسلام برضا البشر منذ البدايات وإلى النهايات، وما نحن فيه إلا محطة عبور شاقة فيها من «الخُسْر» المتواصل، ما يحفزنا للسعي نحو النجاة منها، حتى يتحقق وجودنا داخل العصر.