الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ليبيا.. الانتخابات وعش الدبابير

ما إن وضعت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش يدها في عش الدبابير، عبر مطالبتها بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من بلادها، حتى ظهر مدى رخاوة الاتفاق السياسي الذي وقعته الأطراف المختلفة مطلع العام الجاري، واتضح أن الأمر لا يعدو كونه هدنة مؤقتة في انتظار معركة قابلة للاشتعال في أي وقت.

وفقاً للاتفاق السياسي، فإن حكومة عبدالحميد دبيبة عليها أن تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد نحو 4 أشهر، إلا أن الواقع السياسي لا يوحي بأن الظروف مواتية لإجراء مثل هذه الانتخابات، وأن المشهد ذاهب نحو تكرار سيناريو حكومة الوفاق الوطني التي شكلت نتيجة الاتفاق السياسي الموقع في المغرب في ديسمبر 2015، إذ إن الظروف المحيطة بحكومة دبيبة لا تختلف كثيراً عما كان يحيط بحكومة السراج.

الدول الكبرى المنخرطة في النزاع الليبي تشعر بأن الأوضاع بدأت تتخذ اتجاهاً آخر غير المقرر له، وفقاً للاتفاق السياسي الذي جرى برعاية الأمم المتحدة، حيث أصدرت بياناً تطالب فيه باحترام موعد الانتخابات، فيما ندد المجلس الأعلى للدولة الليبية بالبيان، واعتبره تدخلاً في الشأن الداخلي.

الأزمة الليبية أزمة ممتدة ومتفرعة، وتتلخص تعقيداتها في وجود عوامل خارجية وميليشيات عسكرية على الأرض تأتمر بأوامر من خارج الحدود، فنحن لسنا أمام صراع سياسي محلي بحت، بقدر ما هو صراع دولي ـ إقليمي نتج عنه تفريخ قوى عسكرية خارج إطار القانون، وهذه القوى إما أنها تنفذ أجندة داعميها أو أنها تبحث عن ضمان استمرار نفوذها، وهذا ما لن يستمر في حال توصل العملية السياسية إلى حلول فعلية، فالسياسة والبندقية لا يمكن أن تلتقيا على ذات الطاولة.

مشكلة ليبيا تكمن في عدم وجود نية حقيقية لدى الأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية لنزع سلاح الميليشيات التابعة لها وكف يدها عن تخريب العملية السياسية، كما أن الاتفاق لا يشكل عند البعض أكثر من انحناء مؤقت في وجه الضغوط الدولية، فيما الأرض لها معطياتها وظروفها، والكل يترقب أن يحسم الأمر عسكرياً في مرحلة من مراحل الصراع.

باختصار، فإن نجلاء المنقوش وضعت الأصبع على الجرح الحقيقي في الجسد الليبي، إذ من دون خروج القوات الأجنبية ووقف التدخل الخارجي ونزع سلاح الميليشيات لن تكون هناك سيادة ليبية، ولن ينجح أي اتفاق سياسي، فالأرض الليبية قد تستوعب الليبيين واختلافاتهم، ولكنها حتماً لن تستوعب مصالح خارجية متضادة ومتعارضة.