الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

السودان.. الأحلام والآلام

الاعتقاد بإمكانية إثبات الواقع الموضوعي العام من خلال الدليل الاستقرائي يشير في حد ذاته إلى وجود واقع جماعي منفصل، لكن هذا الأسلوب يتعارض حقيقة مع وجود احتمال لا يمكن إنكاره، أي دليل سواء من حيث العقل أو الاستقراء هو افتراض لا يمكن توقعه في الحالة السودانية.

فما لا يقال في الشأن السوداني، أن الحلم متداخل ولا يختلف عن الواقع من حيث عدم الانسجام والاتساق والوضوح، لأن نمط اللبس متأصل في هذه الخصائص التي تتلبد بها الحقيقة، لكن من الناحية المنطقية، لا يوجد ما يمنع الافتراض بأن واقع السودان يتكون من حلم طويل غير متسق يتضمن أحلاماً متقطعة تتميز بحالتين من التناقض وعدم الاتساق.

في سياق هذا الافتراض، إذا قبلنا حجة أن هناك بصيص أمل في الحاضر في شأن هذا البلد، فسيشكل هذا أساساً للبناء الاستقرائي لمعرفة المستقبل على افتراض أن التاريخ الحديث له كان به إيجابيات، لكن هذا يتعارض مع إفرازات أكثر من 5 عقود، بذكريات معظمها مؤلمة وبالتالي لا يمكن ترجيح موضوعية هذه الذكريات وانعكاساتها الإيجابية في الحاضر والمستقبل، إلا إذا تغير نمط التعامل مع كل الأشياء.


ما يمرُّ به المشهد من أحداث مؤلمة هذه الأيام في السودان يؤكد ضبابية المستقبل، وهوما ينسجم مع الاعتقاد بأن الإدراك لا يساعد المراقب على رؤية الحقيقة كما هي، وهذا ما يبدد الأحلام، حيث إن الفكر الاستراتيجي غير موجود وفي حالة سبات فلا دليل للحقائق كما هي وقد يصوّر ذلك بمثل ما يحدث في إدراك الشعلة الجوالة، حيث تحدث في عين الرائي دائرة، ليست حقيقة.


تكمن المعضلة في حقيقة أن معظم القوى السياسية تتعامل مع الأمور وكأنها موضوعة في الخارج، وقد يتساءل المتأملون عن حقيقة الأمر، سواء كان حلماً أم حقيقة أم انتهاكاً.

هكذا نرى أن الاستدلال على الواقع الموضوعي مستحيل في الشأن السوداني، رغم أن اليقين به متاح وجداناً، مثلما نكون على يقين من ضرورة بعض المبادئ العقلية غير المنطقية، كمبدأ السببية العامة، وكون الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان في الوقت نفسه، أو أن يكون شيئان في ذات المكان الواحد في الآن نفسه، إذ ليس هناك ما يؤكد أن الماضي قد نجح، فيما آلام حاضر ما بعد ثورة ديسمبر مستمرة.