الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

اختفاء الأخفياء

العبقريُّ عندي هو من يعمل عملاً خارقاً بجهد عادي، والخامل الغبي هو من يعمل عملاً أقل من العادي بجهد خارق، وبهذا المعنى يمكن أن يقال إن العباقرة في أمتنا صاروا كبيضة الديك، لأن الناس يتم تقييمهم وتكريمهم على أساس جهدهم الخارق لإنجاز عمل أقل من العادي.

الناس في أمَّتِي جبال شاهقة تتمخض وتلد فئراناً، ولم يعد هناك الأخفياء الذين إذا حضروا لا نكاد نعرفهم، لكن إذا غابوا نفتقدهم بشدة.

اختفاء الأخفياء أدى إلى رذيلة تنازع الأدوار القيادية في كل مجال حتى البيوت، والأخفياء هم العباقرة المبدعون الذين يقودون من موقعهم في آخر الصف ولا يزاحمون من أجل الصف الأول والمقعد الأول.


أدى تنازع الأدوار القيادية إلى الصراع في كل المجالات والمؤسسات حتى في البيوت هناك صراع على القيادة من الأمام بين الرجل والمرأة، وكانت عبقرية المرأة العربية في الماضي هي القيادة من الخلف فأنجبت زعماء أفذاذاً ومبدعين، وعندما قفزت لتقود من الأمام باعتبار أن ذلك حقها فشلت المنظومة الأسرية بأكملها.


وفي مجالنا الإعلامي كان القارئ هو القائد من الخلف وهو الموجه من الصف الأخير، فلما تغير دوره وقفز ليقود من الأمام وتحول إلى كاتب عبر المواقع تغيرت المنظومة الإعلامية وتغير دور الكاتب والقارئ معاً، وصار هناك ألف كاتب لكل قارئ إن وجد.

واختفاء الأخفياء والتدافع المحموم نحو القيادة من الأمام رسّخا الفردية وقتلا العمل الجماعي وروح الفريق والنظام المؤسسي، وأصبح اللاعبون في كل مجال يتصارعون على تسجيل الأهداف والنتيجة أن المباراة صفرية في كل مجال.

لا أحد يريد أن يكون جنديّاً مجهولاً يقود من الخلف، والكل يريد أن يقود من الأمام، ويكون رأس الحربة رغم أنه لن يفوز أو يسجل أهدافاً. إذن، رفض الجميع أن يكونوا حراس مرمى وخطوط دفاع أو خطوط منتصف وصناع ألعاب، لأن النجومية عندنا لمن يسجل لا لمن يصنع الأهداف، وكل هذا الخلل وراءه تنازُع الأدوار واختفاء الأخفياء!