الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

تونس.. حكومة تصنع الأزمات

الزّيادات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة التونسية في أسعار العديد من المواد الأساسية والخدمات، تعكس فقراً في الخيال السياسي، وعجزاً عن اجتراح البدائل الناجعة لتجاوز الأزمة التي تردت فيها البلاد.

وفي هذا الخضم من التعقيد الاقتصادي المُنذر بتفجر اجتماعي وشيك، تتحرك الحكومة التونسية دون بوصلة تشير إلى طريق النجاة، لمواجهة أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد المعاصر، معتمدة مقاربات غير ناجعة ستزيد في عمق الأزمة، وترفع من درجة خطورة مآلاتها.

صحيح أن الأزمة الراهنة ليست من صنع الحكومة الحالية، بل هي نتاج تراكمات قديمة، لكن الحكومة القائمة مسؤولة عن تدبر الحلول وابتكار البدائل.


على أن هذه الخيارات الحكومية المرتجلة تقف وراءها دواع داخلية وأخرى خارجية، وتتكئ الحكومة على حزام برلماني أثبت طيلة سنوات من العمل السياسي أنه فقير من البرامج السياسية والاجتماعية، وليس بوسعه سوى تقديم الشعارات والخطب الشعبويّة، إضافة إلى أن الأحزاب المشكلة للحزام الداعم للحكومة (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) غارقة في الصراعات الحزبية وفي معارك النفوذ والصلاحيات.


عندما كانت الأزمة الاقتصادية تزداد حدة وعمقاً كانت تلك الأحزاب تنظر لها من ثقب مصالحها، أي من قياس درجة تأثير الأزمة على حضورها السياسي، وأمام فقرها البرامجي فإنها هرولت إلى التداين وأدمنت طَرْقَ أبواب المانحين الدوليين.

الصلة بين التسرع في إقرار الزيادات الأخيرة، وبين اللجوء إلى التداين كامنة في أن الحكومة حاولت الانضباط لشروط صندوق النقد الدولي، التي تتمثل في تحرير الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال والإصلاح الضريبي، وإصلاح منظومة الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية، وإصلاح الوظيفة العمومية، ودفع الاستثمار، وبذلك كانت الزيادات الأخيرة في الأسعار بمثابة دليل تثبت من خلاله الحكومة حسن نواياها تجاه صندوق النقد الدولي.

الملفت في هذه الزيادات أنها طالت مواد أساسيَّة وخدمات تحتاجها الطبقات الضعيفة بشكل خاص (السُّكّر والنقل العمومي والصالح للشراب والحبوب)، وهو ما يعني أن الحكومة تحمّل الطبقات الوسطى والفقيرة أعباء خيارات وسياسات لم تكن طرفاً في اختيارها.

في واقع يتسم بارتفاع مهول في حجم الدين العمومي، اتجهت الحكومة نحو مزيد الاقتراض، وفي ظل أزمة متواصلة منذ سنوات طالت مفاعيلها غالبية الشعب التونسي من الطبقة المتوسطة والفقيرة، ارتجلت الحكومة فكرة رفع الدعم والزيادة في الأسعار.

وبهذا الارتجال والعشوائية، فإن حكومة هشام المشيشي تطلق النار على ساقيها، ولن تكون معفية من مآلات الاحتقان الاجتماعي الذي توفرت كل عناصر انطلاقه.