الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العقل.. تقارب المجتمعات وتباعدها

هل يمكن للبشرية أن تؤسس لعصر جديد للعقلانية، تلتقي فيه القراءة الفلسفية للعقل مع القراءة الدينية له؟، فالفكر الفلسفي والفكر الديني منذ نشأتهما لم يستطع أحدهما أن يهزم أو يلغي الآخر، وظهور تفوق أحد الفكرين على الآخر في منطقة معينة من العالم لا يعني نهاية المعركة الفكرية، فالفكر الفلسفي التنويري الحداثي العلماني انتصر في أوروبا وامتد إلى أمريكا، وغلب على العالم الأجمع في أنظمته السياسية الحاكمة في العالم فقط، بينما بقي التنافس بينهما في المجتمعات والأوساط الأكاديمية والعلمية والدينية.

إن الإشكاليات والأزمات التي واجهت العالم في العقود والسنوات الأخيرة من تطرف وعنف وإقصاء فكري وحضاري وديني لا تملك القراءة الفلسفية ولا العقلانية الفلسفية من معالجتها وحدها، وكذلك فلسفة الإسلاموفوبيا في الغرب لن تستطيع معالجة مشكلات العنف والتطرف وحدها، لأنها ليست دينية حصراً، وصناعة الحواجز الحضارية أو الفكرية بين أتباع القراءتين لن تكون قادرة وحدها أن تلغي الآخر، لأن له حججه العقلية والفكرية، ويمكن القول: إن لديه حججه الفلسفية ولو كان من أتباع الفكر الديني، ولأنه لا يُسلّم للآخر امتلاكه للعقل والعقلانية وحده أيضاً.

والمظاهر التي يتم انتقاد الفكر الديني عليها من التعصب أو العنف، لا تسلم لأصحاب الفكر الفلسفي المعاصر، وإن امتلكوا إعلاماً مهيمناً وواسع الانتشار، لأن مظاهر الشعبوية السياسية العنصرية آخذة بالتوسع والانتشار في العالم الغربي أكثر من غيره، إذ أصبحت مشاريع الأحزاب السياسية اليمينية أكثر قرباً للفكر الأيديولوجي الإقصائي في أمريكا وأوروبا.


عقلاء أوروبا اليوم يخشون من ضياع الفلسفة الأوروبية التنويرية الحديثة على أيدي تلك الأحزاب الأوروبية اليمينية الناشئة، والتي أخذت تجد لها حضوراً شعبياً كبيراً بسبب ضخامة صوتها الإعلامي، بالرغم من دعوتها للكراهية والحقد والإقصاء بين أبناء الشعب الواحد.


إن عدم نجاح أوروبا بالتمسّك بالليبرالية الفكرية في السنوات الأخيرة يبعث على الخوف من مستقبل أوروبا والعالم، فوصول الأحزاب اليمينية إلى السلطة وعبر صناديق الاقتراع سيؤدي إلى زيادة الكراهية والتطرف داخل مجتمعاتها، وستصبح أوروبا قبل غيرها ضحية العنصرية العرقية والقومية والدينية، وكلما استفحلت هذه العنصرية فإن علاجها سيكون أصعب وتحت وطأة الخسائر الأكبر في دولها قبل غيرها.

إن تأسيس مقولة العقلانية الفلسفية ورفض العقلانية الدينية كانت سبباً في نشوء النظريات الفلسفية الخاطئة، فقد ثبت خطؤها على صعيد النتائج الواقعية، وبالأخص عندما ارتبطت بالعنصرية العرقية والقومية وكراهية الآخر لأسباب دينية محضة، ولن يكون للبشرية خلاص إلا بتقبل قادة المنصات الفكرية الفلسفية وقادة المنصات الفكرية الدينية احترام بعضهما بعضاً، وأن العقل والعقلانية ليست حكراً بيد أحدهما.