الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الاستشراق وإعادة تشكيل العقل الغربي

لم تكن مهمة كتاب «الاستشراق» للمفكر الأمريكي من أصل فلسطيني إدوارد سعيد كَشْف وظيفة مشروع الاستشراق الأوروبي والأمريكي من وجهة نظر غربية فقط، وإنما تغيير هذه النظرة الاستشراقية الخاطئة، من خلال إثبات أنها كانت ذات قراءة أيديولوجية فكرية ودينية وسياسية وعسكرية واستعمارية في الغالب، وأنها لم تكن دراسات علمية موضوعية عن الشرق، وأنها لم تكن مشروعاً بريئاً لفهم الشرق ومعرفته جيِّداً، بقدر ما كانت في أبعاد أخرى تهدف إلى بناء وتشكيل صورة عن الشرق وشعوبه وعاداته وثقافته وأديانه، أمام الشعوب الغربية في كل المستويات الأكاديمية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والإعلامية وغيرها.

أي إن وظيفة المستشرقين الذين أتوا إلى بلاد المسلمين لأكثر من قرنين، كانت من وجهة نظر إدوارد سعيد تهدف إلى صناعة صورة عن الشعوب الشرقية تخدم مشاريع الغرب الاستعمارية أولاً، وأن وجهة نظر السياسيين العسكريين الغربيين الذين شنوا الحروب على الشرق منذ قرون كانت في أساسها مبنية على قراءة خاطئة أصلاً.

لقد انتقد إدوارد سعيد القراءة الأكاديمية الغربية للشرق، واعتبر أن من مهمة المثقف الغربي وغيره تصحيح الأخطاء الفكرية التي أسسها الاستشراق المخادع عن الشرق وشعوبه، فهذه وظيفة المثقف الموضوعي، وصاحب المصداقية العلمية، وقد لا تكون مهمة تغيير وجهة النظر الاستشراقية في الغرب قابلة للنجاح والتأثير في فترة زمنية قصيرة، سواء في عملية استغراب معاكسة كما دعا بعض المفكرين العرب، أو من خلال كشف أخطاء المستشرقين وفضح مناهج خداعهم لشعوبهم، من خلال تقديم المحاضرات العلمية الموضوعية في المراكز الثقافية الغربية وفي المؤتمرات العلمية الأكاديمية في الجامعات الغربية الأوروبية والأمريكية، فهذه الطريقة، وإن كانت بطيئة في تغيير وجهة الغربية عن الشرق وشعوبه إلا أنها قابلة أن تؤثر ثقافياً وفكرياً وأكاديمياً في إعادة تشكيل العقل الغربي أولاً، ثم متابعة نجاحها في الميادين الاجتماعية والسياسية وربما الاستراتيجية أيضاً.


كما يرى بعض المفكرين العرب من أمثال المفكر المغربي محمد عابد الجابري أن القراءة الاستشراقية التي شكلت العقل الغربي في القرنين الماضيين ينبغي معرفتها بقراءة إدوارد سعيد ليكون لها تأثير أو دور في بناء الهوية المقابلة أو الأخرى، أي في بناء الهوية القومية العربية المعاصرة.


فالقراءة الاستشراقية كما أسهمت بصورة خاطئة أو ماكرة بتشكيل العقل الغربي عن العرب والإسلام والمسلمين، كذلك ينبغي بعد ثبوت خطئها أكاديميّاً أن تكون مرشدة في بناء الهوية القومية العربية الإسلامية بقراءة ذاتية غير متأثرة بقراءة المستشرقين للثقافة العربية والإسلامية، بل يمكن الاستفادة من معرفية دوافعها الاستعمارية في بناء هوية قادرة على فهم الآخر أولاً.