الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مصير المرأة في القرن الأفريقي

أصدرت حكومة ولاية «أرض البنط» Puntland الفيدرالية الصومالية قانوناً يمنع ختان الإناث، وهو إجراء ممنهج ومتبع في الولاية وفي منطقة القرن الأفريقي ووادي النيل، ولقي القرار ترحيباً واسعاً بعد أن طال انتظاره، وهو يعبر عن إدراك جديد للطبيعة اللاإنسانية لهذا العمل غير المقبول الذي يحطّ من شأن المرأة، وكانت ممارسته متواصلة منذ آلاف السنين، واكتشفت آثاره في رفات الفراعنة المصريين.

وبقيت هذه الظاهرة المؤسفة بعيدة عن الجدل والنقاش بسبب ما تنطوي عليه من الشعور بالعار والإحراج، وكانت هناك محاولات للتصدي لهذه الممارسة الإجرامية منذ بضعة عقود، ولكنّها لم تحقق النتائج المنتظرة منها، ومنذ نحو 40 عاماً، شاركت بمبادرة أطلقتها في هذا الصدد «جامعة الأحفاد للبنات» في مدينة أم درمان بالسودان، وكنت أتجول مع الطالبات في قرى ومراكز محافظة النيل الأبيض جنوب الخرطوم لاستعراض المعلومات المتعلقة بالموضوع ومناقشته بكل أبعاده، وأتذكر أيضاً أنني ناقشت هذه الظاهرة مع «إسياس أفيورقي» الذي أصبح فيما بعد زعيماً للجبهة الشعبية لتحرير إريتيريا ثم رئيساً للدولة، وسألته عن جدوى تنفيذ قرار حظر هذه الممارسة، فقال لي: «إن الحظر الإجباري ستكون له نتائج عكسية لأنه سيدفع لممارسة الفعل ذاته بطريقة سرّية، وفي ظل ظروف صحّية سيئة وغير نظيفة، كما أن هذا القرار من شأنه أن يثير البدو والمزارعين ضد الجبهة التي يترأسها»، وقامت الجبهة بإرسال مجموعات من النساء المقاتلات إلى المخيمات والقرى المنعزلة لتقديم النصائح الطبية والترويج للرؤية الجديدة للجبهة حول الموضوع.

ولعل أغرب ما في هذا التقليد الغريب هو أنه غالباً ما يلقى الدعم والتأييد من النساء أنفسهن، وهو فعل يخلو من أي أساس ديني، ولهذا السبب فإن الإناث المسلمات والمسيحيات يأخذن به على حد سواء في مصر والسودان وبلدان القرن الأفريقي وأجزاء أخرى من القارة.


وقبل نحو عشر سنوات، طلب مني أحد أعضاء الفريق العلمي الذي كنت أقوده، وهو مسيحي قبطي من مدينة المنيا جنوب مصر، دفعة مالية مسبقة عن راتبه، وقال لي: «إن الوقت قد حان لإجراء ما يلزم لبناته الشابّات للخضوع للعملية، وإذا لم يقم بإنجاز هذا العمل فلن يتقدم أحد للزواج منهن، وسوف يحلّ العار بأسرته كلها».


وربما تؤدي هذه الخطوة الجريئة التي بادرت بها ولاية «أرض البنط» إلى توسيع دائرة الأقوام، التي ترفض هذه الممارسة، وربما تسهم أيضاً في تقدم المجتمع القبلي.