الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الجزائر تؤسِّس لمرحلة جديدة

ملَّ كثير من الجزائريين الاحتجاجات والمواقف الجامدة للحراك الذي لم يقدِّم برنامجاً سياسياً عملياً

بإعلان نتائج انتخابات السبت الماضي (12 يونيو)، تكون الجزائر قد عبَرت بأمان مرحلة حاسمة من تاريخها، رغم التحديات التي واجهتها، والتي لا تزال أمامها، صحيح أن الحراك والمعارضة التقليدية قاطعا الانتخابات، فمنحا قوى الموالاة فرصةً أفضل للهيمنة على المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب).

لكن يمكن القول إن الانتخابات تميزت بنظام أكثر شفافية ونزاهة، يقوم على القائمة النسبية المفتوحة التي تتيح للناخب اختيار مرشحه ضمن القائمة نفسها، بدلاً من النظام السابق الذي يفرض عليه التصويت لقائمة مغلقة يكون ترتيبُ الأشخاص فيها أساس انتخابهم.


لست هنا بصدد المقارنة بين النظامين، لكن النظام المفتوح ربما يكون أنسب للجزائر في هذه المرحلة لئلا تتلاعب الأحزاب والتكتلات بترتيب المرشحين في القوائم حسب رغبتها، وتحتِّم على الناخب إما التصويت للقائمة كلها وإما رفضها، أي أن الأحزاب والتكتلات عمليّاً في القائمة المغلقة هي التي «تنتخب» المرشَّحين، إذا جاز التعبير.


نعم كانت نسبة المشاركة (30.20%) ضعيفة وكادت تنعدم في المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية (نحو 1%)، لكن تدني المشاركة اعترى أيضاً انتخابات 2017، التي بلغت 37.09%، بل إنه أصبح اتجاهاً عالميّاً منذ عقود وله أسباب كثيرة، منها: الإحباط، واللامبالاة، وإحساس الناخب بأن صوته غير مؤثِّر.

ورغم أن ضعف المشاركة لا يؤثر دستوريّاً في شرعية الانتخابات، فإن إشكالية الشرعية السياسية لمجلس نيابيّ قاطعه نحو 70% من الناخبين ستظل واردة، بل قد يُثير المقاطعون الطعن في الانتخابات على هذا الأساس.

ومهما يكن، فهذه الانتخابات من حيث الكيف مكَّنت المواطنين من انتخاب مرشحيهم بحرية، فلا ننسى أن الديمقراطية في النهاية اختيار حر، سواء تعلق بالمشاركة أو بالمقاطعة، وهذا ما حرصت عليه السلطات إذ وفَّرت المناخ المناسب لسيرها بشفافية ونزاهة إلى حد كبير.

إذاً، فإن الجزائر تؤسِّس لمرحلة جديدة من بناء مؤسساتها الدستورية، لتتفرَّغ لقضايا أخرى مهمة كإصلاح الاقتصاد والإدارة، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص عمل للشباب، ومواجهة كورونا، في ظل تغيير سياسي واجتماعي هادئ، لأن الجزائريين، بسبب العشرية السوداء، يمنحون الأولوية للاستقرار.

لذلك، ملَّ كثير من الجزائريين الاحتجاجاتِ الأسبوعية والمواقفَ الجامدة للحَراك الذي لم يقدِّم برنامجاً سياسيّاً عمليّاً للتغيير، فأصبحت مَطالبه في نظرهم مفتقرة إلى الواقعية السياسية.