الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ساد الملل.. فظهر الخلل

عندما ماتت الدهشة مات الإبداع والتأمل والتفكير، وصار كل شيء عادياً وغير مثير للانتباه، وصار الناس سكارى وما هم بسكارى، ويبدو أنه لم تتبقَ لنا سوى دهشة واحدة، وبغتة واحدة هي بغتة قيام الساعة، فقد ألفنا جملاً وعبارات تؤكد موت الدهشة مثل: عادي، ولا شيء يهم، ولا تقلق، والأمور تحت السيطرة، ولا داعي للانزعاج، والأمر لا يستدعي الاهتمام والقلق.

الدهشة تعني البكارة والعذرية الفكرية، وقد فقدنا هذه العذرية، وصار عدم الاكتراث منهجنا في الحياة، فلا شيء يذهلنا، ولا شيء يدهشنا، بل صرنا نسخر ممن يندهش ويذهل ويدق قلبه بعنف مع أي حدث، وتآلفنا مع القتل الجماعي وحروب الإبادة، بل وجرائم القتل الأسرية مثل أم أو أب يقتلان أطفالهما، تآلفنا مع الخيانات والفساد بل وتعاطفنا مع القتلة والإرهابيين واللصوص، وهناك مثل عامي مصري غريب وعجيب وسخيف يقول: «إن سرقت اسرق جملاً وإن عشقت اعشق قمراً»، يعني أن لك عذراً إن سرقت المليون وليس لك عذر إن سرقت دجاجة، ولك عذر إن عشقت امرأة جميلة حتى إذا كانت متزوجة، وليس لك عذر إن عشقت فتاة ليس لها من الجمال نصيب، وكل هذه وسائل قتل للدهشة والذهول.

وعندما ماتت الدهشة ماتت فضائل كثيرة، مثل إنكار المنكر، فلا أحد ينكره ما لم يدهشه ويذهله المنكر، ولا أحد يأمر بالمعروف إلا إذا أدهشه وأذهله المنكر.


كل الاختراعات والاكتشافات العلمية منبعها الدهشة التي تؤدي إلى التأمل وتعقب الظواهر وتحليلها، وغياب الدهشة هو المسؤول الأول عن التخلف والركود والملل ومقاومة التجديد والتطوير، وقولنا: ليس في الإمكان أبدع أو أفضل مما كان، فالأيام متشابهة، ومن استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى نقصان، ومن كان إلى نقصان فالموت أولى به من الحياة، وهكذا عندما تموت الدهشة يسود الملل ويظهر الخلل!