السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

السودان.. ومفسدة «المكيافيلية»

ارتبطت المكيافيلية في الخيال البشري الجماعي بالانتهازية والمنفعة بأي طريقة كانت، مشروعة أو غير مشروعة، أخلاقية أو لا أخلاقية، مباحة أو غير مباحة، فالغاية دائما تبرر الوسيلة، فهي بلا شك مفسدة، وبالتدقيق في المفهوم السائد في السودان منذ ما بعد استقلال البلاد في العام 1956 من القرن الماضي، نجد أن السلطة ليست وسيلة بل غاية.

فالنُّخب لا تقيم حكماً استبدادياً لحماية الثورة، وإنما تشعل الثورة لإقامة حكم استبدادي، إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد، والهدف من التعذيب هو التعذيب، وغاية السلطة هي السلطة، وبذلك فإن مشكلة الساسة السودانيين تعود أساساً إلى النظام الاستبدادي الذي ران على صدور الناس ردحاً طويلاً.

في هذا السياق، يبدو واضحاً الجدل الدائر بين وزارة المالية ولجنة إزالة التمكين، وتتجلى المكيافيلية في نهج اللجنة لمبدأ تنحية كل شيء لتحقيق أغراضها، ثم تتبخر هذه الأغراض في ظروف غامضة بعد الحصول عليها.


ربما يركز أولئك الذين يديرون البلاد هذه الأيام على رغباتهم القوية وتطلعاتهم الصغيرة للسلطة، متجنبين التطلعات العظيمة للبلاد، ونخشى ما يجدونه إذا سمحوا لأنفسهم بالتركيز على ما يريدون فقط، فيجدون الناس يريدون اتخاذ إجراءات مهمة ضدهم، كما فعلوا مع الآخرين في الماضي القريب، أو البحث عن الاستقلالية، أو القيام بشيء آخر شاق بنفس القدر.


الحل لا يكمن في حسن السلوك الأخلاقي، بقدر ما يكمن في ظهور شخصية متكاملة نالت جميع حقوقها السياسية غير المنقوصة، رمزًا اعترف المجتمع بقيمته وكرامته الإنسانية.

الأخلاق الحميدة هي عواقب نظام سياسي جيّد، وليس العكس الذي سرقت فيه النخب وعي الناس، ويبقى الحل هو التطبيق الدقيق للديمقراطية بحيث تتحول قيمها إلى سلوك يومي يمارسه المواطن على نحو طبيعي وبغير افتعال.

فالحكم لا يستقيم طالما تداخلت معه أمور من قبيل الأيديولوجية كديدن للسلطة تمارس عبرها مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، مع ضرورة الفصل التام بين السياسة والأخلاق، فلكل منهما مضماره، وأنه لا سبيل للتقدم السياسي، أو الاقتصادي أو الاجتماعي في السودان، سوى بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدي.