السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

يكفي أنها بغداد

لم أذهب إلي بغداد وتمنَّيْت كثيراً لو أنني زرتها، وقد تلقيت دعوات كثيرة لأشارك في مهرجانها الشعري الكبير«المربد»، حيث كانت تصلني كل عام دعوة من إدارة المهرجان، ولكن ظروفاً كثيرة منعتني ما بين ضرورات السياسة وأعباء الحياة، وبقيت بيني وبين بغداد حكايات.

وقد كتبت أكثر من قصيدة كان منها «اغضب ولا تسمع أحداً»، و«من قال إن النفط أغلى من دمي»، ومنها اختار الصديق الفنان كاظم الساهر أبياتاً وهو أفضل من غنى القصائد في الأجيال الجديدة، تحت عنوان «بغداد لا تتألمي» بغداد أنت في دمي، وكانت أول أغنية أدانت احتلال العراق.. تقول كلماتها:

أطفال بغداد الحزينة يسألون


عن أَيّ ذنب يقتلون


يترنحون على شظايا الجوع

يقتسمون خبز الموت ثم يودعون

ونجحت القصيدة وتغنّى بها العالم بأكثر من لغة

في يوم من الأيام قررت أن أكتب مسرحية شعرية عن سقوط بغداد، واخترت لحظتين متشابهتين ما بين الماضي والحاضر.. أخذت من الماضي اقتحام هولاكو بغداد وسقوط الدولة العباسية ومقتل المستعصم بالله أمير المؤمنين وآخر الخلفاء العباسيين وأخذت من الحاضر احتلال أمريكا للعراق.

ولأنني لم أزر العراق فقد استعنت بموسوعة كاملة عن بغداد، الأماكن، والشوارع، والبشر، وهذه المسرحية التي كتبتها في أربع سنوات في خطة المسرح القومي المصري الآن، ويخرجها القدير جلال الشرقاوي، وقد جمعت عدداً كبيراً من النجوم، وأجرى الشرقاوي بروفاتها النهائية، لكن جاءت محنة كورونا فأغلقت أبواب المسارح ولا أزال انتظر الإفراج عنها

هذه حكايات عن بغداد مدينة المتنبي وأبي العلاء والسياب ونازك الملائكة والبياني ومطر والجواهري والرصافي.. إنها حقاً مدينة الشعر والشعراء، وبقيت بغداد التي لم أشاهدها وحالت ظروف كثيرة دون زيارتها، من المدن العريقة في تاريخنا فناً وشعراً وإبداعاً.

إن للمدن إشعاعاً خاصاً يتسلَّل في قلوبنا، فما بالك إذا كانت مدينة الرشيد بسحر لياليها وعبق تاريخها العريق.. إنها بغداد بكل ما حملت من الوهج والجمال والإبداع.. مرت عليها عصور وعصور وهي شامخة تتحدى الزمن والأيام، وبقيت بيني وبين بغداد حكايات كثيرة وإن لم أزرها.. لقد احتلت في تاريخنا مكانة خاصة حتى لو عبثت بها الأقدار أحياناً.. ويكفي أنها بغداد.