الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

«نداء الخليج».. وثورة الجزائر

تأتي أحاديثنا الفردية والجماعية محمَّلة بأنواع شتى من المواقف تجاه أنفسنا، تبدأ من اللوم وقد تصل إلى جلد الذات أو النكران والجحود، وذلك حين نتحدث عن تاريخنا المشترك، المُتخطِّي لحدود الجغرافيا، والنابت عبر زمانه في قلوب ملأها التبصر والحب والإخلاص، ما كانت تود أو حتى تنتظر أجراً من أحد، ولو على سبيل المدح أو الاعتراف.

اليوم، وبعد توفر وسائل التواصل لم يعد مقبولاً أن تظل حقائق الشراكة ـ وليس التعاطف والحمية فقط ـ خافية عن أجيال اقتلعت من جغرافيَّتها العربية الممتدة، وزُرعت على مستوى الفكر والمواقف والانتماء في بيئات أخرى، في محاولات لسحبنا جميعاً إلى حيث الفضاء الوهمي ـ غير الافتراضي ـ لما يسمى بالإنسان العالمي، في تناقض صارخ مع خصوصية الأوطان والشعوب، والميراث الثقافي المتنوع.

هذا الوضع، يمكن التصدي له من خلال تنشيط الذاكرة الجماعية لأمتنا، وبما أننا نحتفل اليوم في الجزائر بالذكرى التاسعة والخمسين للاستقلال، فقد أصبح من الضروري، وبعيداً عن العاطفة ـ وإن كان مهماً استحضارها ـ أن نبحث عن ذلك التفاعل العربي مع ثورتنا في وقت كان الداعمون لها في حاجة ماسّة إلى الخروج مما هم فيه من ضنك عيش، ومعاناة فرضتها السماء والأرض والبحر، واحتلال ونهب للجغرافيا.


هناك بعيداً في الخليج العربي في مرحلة ما قبل ظهور الإمارات العربية المتحدة، كان لثورة الجزائر حضور في قصائد الشعراء، وفي تفاعلهم اليومي، من ذلك ما جاء في ديوان «نداء الخليج» للشاعر «سالم بن علي العويس» (1887 ـ 1959) صاحب الرؤية العربية والإسلامية، بل العالمية أيضاً، فقد قال مقارناً بين مطالبة الصين بجزرها من فرنسا (ما بين 1958 ـ 1959) وثورة الجزائر قائلاً:


جُـزُر الصـين الأبيّـة هي للصـين الـفـتـيَّة

والجزائر شمس حقٍّ حيث صـدَّت عــربيَّة

جــزر الصـين الأبيـة عند هذا الغـرب نيّـة

والجـزائر قـد تمطّت فـي ثـيــاب عـملـيّــة

بل إن الشاعر سالم بن علي العويس، من خلال تفاعله مع ثورة الجزائر كرّس وحدة عربية مبكرة، مستحضراً التاريخ، وذلك حين قال:

أُخْتُ الجزائر في النّضال عُمَان

يا شَوْقهَا لو سالمَ الطيران

ترمي عيوناً من محاجِر أشهب

فيحدُّها لا ترتمي نَجْـران

هذا بعض من شوق ونصرة أهل الخليج العربي لثورتنا، وهو جزءٌ من تعلُّق قلوب العرب والمسلمين بها في كل مكان، ألا يستدعي هذا وغيره، الخروج من الانغلاق الكلي على أنفسنا في الجزائر إلى الانفتاح نحو الآخرين، اعترافاً منا بدورهم في نصرتنا، حتى لو جاء ذلك بأثر رجعي.