الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أزمة نهر النيل.. و«مأساة المشاعات»

يمثّل نهر النيل حالة نموذجية لما يعرف في العلوم الاجتماعية بمصطلح «مأساة المشاعات»، فإذا كانَ عدد كبير من الفَاعِلين يتمتعون بالقدرة على استثمار مورد مشترك، ويمكن لأيّ فاعل منفرد أن يستأثر به دون غيره، فإن ذلك يعرّض استدامة المورد بأكملها للخطر.

وتُعتبر مياه النيلين الأزرق والأبيض من الموارد المشتركة والحيوية للدول الإحدى عشرة التي تعبرها، وهي: بوروندي ورواندا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وإثيوبيا والسودان ومصر، فإذا أقدمت أي من هذه الدول على احتجاز جزء كبير من كتلة المياه واستغلالها بحسب رغبتها، فسوف يعاني حوض نهر النيل برمته من الجفاف.

وعلى هذا الأساس، يشكل سدّ النهضة الإثيوبي الضخم عامل تهديد حقيقي بوقوع مثل هذه المأساة، لأن الإجراء الذي يُعدّ مثاليّاً بالنسبة لإثيوبيا على المدى القصير هو في الواقع عامل تهديد لكافة الدول الواقعة على ضفاف نهر النيل على المدى البعيد.


ومن المعروف أن هناك أسساً لإجراءات استشارية مسبقة واتفاقيات مبدئية حول هذا الموضوع ولكنها لا تجد سبيلها للتطبيق وخاصة في تفاصيلها الدقيقة، وتم الإعلان عنها عام 1999، وتشمل جميع البلدان المعنية إلا أن هناك اختلافات حادة بشأن تفسيرها وخاصة بين دول المنبع ودول المصبّ.


وبالرغم من صدور إعلان المبادئ المشتركة لعام 2015 الصادر عن مصر والسودان وإثيوبيا والمتعلق بالنوايا الحسنة لتلك الدول لمعالجة الموضوع، إلا أنه كان يفتقر للتفاصيل الضرورية لفهم أساليب التحكم بتقاسم مياه النيل.

ومن الواضح أن التعاون بين مصر والسودان حول هذا الموضوع يزداد قوة حتى باتتا تتحدثان حوله بصوت واحد، وهما تحاولان تدويل القضية بعرضها على المنظمات والهيئات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي، وتتفق الدولتان على أن مياه نهر النيل تمثل قضية وجودية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياستيهما الأمنية.

وأدى النجاح الدبلوماسي الذي حققته مصر مؤخراً في شرق ووسط أفريقيا والبحر الأحمر والقرن الأفريقي لزيادة الضغط السياسي على إثيوبيا، إلا أن أديس أبابا تلتزم بموقفها المتعنت، وتعتبر القضية مسألة اقتصادية بحتة تتعلق بالسياسة الداخلية للدولة وليس في مجال السياسة الدولية، ويراقب العالم باهتمام وقلق بالغين الوضع خوفاً من أن تتطور الأمور إلى صراع واسع النطاق.

وتشير نظرية العلوم الاجتماعية المتعلقة بمأساة المشاعات إلى ضرورة الاتفاق على البنى الأساسية للقواعد والأنظمة، التي من شأنها تجنيب كل الأطراف خطر وقوع المأساة قبل فوات الأوان.