الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

«هايتي».. فطائر الطين

في اليوم الأول من عام 1804 شهد العالم ولادة أقدم جمهورية من أصل أفريقي خارج القارة السمراء، فبعد قرابة الـ300 عام من اكتشاف كريستوفر كولومبوس لتلك الجزيرة في البحر الكاريبي، نجحت ثورة العبيد في إعلان جمهورية هايتي كثاني دولة مستقلة في نصف الكرة الغربي.

لم تعد «هايتي» بموجب الإعلان تعبر عن معناها الحرفي «الجبل في البحر»، حيث أعلن العبيد السابقون انطلاق «أمة هايتي الجديدة». كانت «أمة هايتي القديمة» بائسة للغاية، فمنذ اكتشاف الإسبان للبلاد عام 1492 وحتى الاستقلال عام 1804 عانى ملايين العبيد عبْر القرون الثلاثة من كل شيء تقريباً، لا صحة ولا تعليم ولا حاضر ولا مستقبل.

وقد كان ذلك حاصلاً في ظل الاستعمار الإسباني وكذلك الفرنسي على السواء، وهو ما جعل إعلان الاستقلال يأمل في وضع نقطة نهاية السطر لما مضى، والشروع في عصر جديد و«أمة هايتية جديدة».


كانت الآمال في غير موضعها، فقد أصبح الاضطراب وعدم الاستقرار هو عنوان الأمة الجديدة، منذ الاستقلال في القرن التاسع عشر وحتى اغتيال رئيس الجمهورية في 2021.


ويذكر المؤرخون أن أكثر من (30) حاكماً في (70) عاماً من عام 1844 وحتى عام 1915 تداولو عليها، كما أن بعض الحكام خرجوا ثم عادوا وخرجوا، فالرئيس جان أريستيد - من القادة المعاصرين - وصل إلى السلطة ثم خرج وعاد 3 مرات في ظل موجة من عدم الاستقرار، أما رئيس الوزراء الحالي والذي تولى السلطة عقب اغتيال رئيس الجمهورية فهو سابع رئيس وزراء في (4) سنوات.

في عام 1915 خضعت هايتي للاحتلال الأمريكي والذي استمر حتى عام 1934، وحسب صحيفة «نيويورك تايمز، فإن واشنطن ولندن ظلت لعدة عقود لا تعترفان بأول جمهورية سوداء، وهكذا عانت «الأمة الجديدة» من الاحتلال الإسباني والفرنسي والأمريكي.

يتوازى ذلك مع بيئة طبيعية غير آمنة هي الأخرى، ففي عام 2008 تعرضت هايتي لأربع عواصف مدارية دمرت الزراعة والبنية التحتية، وفي عام 2010 قتل (300) ألف شخص في زلزال هايتي الشهير، وفي عام 2016 قتل 10 آلاف شخص في وباء الكوليرا الذي أصاب قرابة المليون شخص.

تمتلك هايتي ثروات جيدة، لكنها لا تزال دولة زراعية بالأساس، حيث أزيلت الغابات لأجل الزراعة، وتقول صحف غربية إن بعض الفلاحين يربطون أنفسهم بالجبال في أثناء زراعة بعض المنحدرات خشية السقوط.

في يوليو الجاري، قامت مجموعة من المرتزقة أغلبهم كولومبيون باغتيال الرئيس «جوفينيل مويس»، وأصبحت هايتي عند حافة الهاوية من جديد، فالبلد الأفقر في أمريكا الجنوبية بات يواجه المزيد من الجوع، وحسب «فرانس برس» فإن البعض لجأ إلى صناعة فطائر من الطين!.. تحتاج «هايتي الجديدة جداً» إلى الاستقرار، فبدونه لا يمكن إطعامها من جوع ولا تأمينها من خوف.