الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«الهجرة النبويَّة».. ومسار التاريخ

حَلَّت الذكرى الـ1443 لهجرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى المدينة، وهي حدث غيَّر مجرى التاريخ الإنساني.. كان العالَم آنذاك يعيش حالة من الفوضى والظلم، وكان الأمراء والملوك في كل مكان يضطهدون رعاياهم ويُثقلونهم بالضرائب ويُسخِّرونهم لحروب عبثية لا تكاد تخمد حتى تشب من جديد، لا هدَفَ لها سوى الغَلَبة والتوسع والانتقام.

كانت فارس وبيزنطة تتحكَّمان في جزء كبير من الأرض؛ يرسم نهرو، الزعيم الهندي المعروف، خريطة العالم وفساده إبَّان ظهور الإسلام، بهذه الكلمات: «أوروبا في الغرب وفارس في الشرق كانتا على طريق سيئ؛ يُضاف إلى ذلك الصراعات التي لا تنتهي في بيزنطة بين الطوائف المختلفة... وفي فارس كانت المجوسية جزءاً من الدولة ويُكْره الناس عليها، فصار الإنسان العادي في أُورُوبَّا وأفريقيا وفارس يعيش خيبة أمل؛ وضاقت الشعوب ذَرْعاً بحكامها، فجاء العرب المسلمون «كبارقة أمل لهذه الشعوب التي كانت تنتظر الفرَج والثورة الاجتماعية».

لم تكن الهجرة اختيارية بل اضطرارية، فقريش اضطهدوا المسلمين وأذاقوهم أصناف العذاب، ورفضوا الدين الجديد الذي جاء للإصلاح الاجتماعي وتحقيق العدل والمساواة بطرق سلمية، وهي أمور لم تكن النخبة المكِّية آنذاك لتقبلها؛ لأنها تساوي بينها وبين عبيدها.


كانت الهجرة حدثاً فاصلاً بين عالَم قديم فاسد أنهكته الحروب والصراعات والاستبداد وآخر جديد يتطلَّع إلى السلام والعدل وبناء الدول والمجتمعات على أُسُس مستقيمة؛ فلم يكد النبي يصل إلى المدينة حتى بدأ يبني مجتمعاً جديداً قائماً على الحرية والتسامح والتكافل الاجتماعي.. كان التآخي بين المهاجرين والأنصار أوَّل لَبِنَة في البناء الحضاري الجديد.


ثم جاء دستور المدينة الذي يعتبره بعض الباحثين أول دستور مكتوب معروف حتى اليوم، ليؤسس مرحلة جديدة من الحرية الدينية والتعايش السلمي بين المسلمين واليهود والوثنيين، وهو مع ذلك عقد سياسي فعلي قامت عليه الدولة الإسلامية، وليس افتراضيّاً على نحو ما بشَّر به مفكرو النهضة الأوربية وعصر التنوير.

وتوالى البناء، فبُني مسجد المدينة وسوقها وطُوِّرت الزراعة والتجارة بعد أن تحقق السلام بين الأوس والخزرج اللذين أنهكتهما حروب طويلة أنهاها الإسلام، وشَرع الوحي المدني ينزل لتنظيم الدولة والمجتمع، وبدأ الرسول بناء القدرات العسكرية لصدِّ عدوان قريش وحلفائها، فكان ذلك بداية انتصار الإسلام وانتشاره السريع في العالم.