الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

كابول.. السُّقوط المدوّي

يمكن وصف الأسلوب الفوضوي لانهيار الحكومة الأفغانية وإفساح المجال أمام تنظيم طالبان للاستيلاء على السلطة في كابول في 15 أغسطس الجاري، بأنه يمثل أكبر كارثة للسياسة الخارحية للولايات المتحدة خلال التاريخ المعاصر.

وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس جو بايدن في اليوم التالي، دافع عن قراره بسحب القوات الأمريكية، وألقى باللائمة على أسلافه في البيت الأبيض لتبرير ما حدث.

ولم يخفِ بايدن سخطه على الحلفاء الأفغان وغضبه منهم بسبب نقص كفاءتهم، وعدم استعدادهم للقتال لإنقاذ بلدهم، وحمّلهم مسؤولية الفشل الذريع في مواجهة قوات تنظيم طالبان.


ويمكن تفهّم أسباب خيبة الأمل التي يشعر بها بايدن من خلال الإشارة إلى أن القوات الأفغانية للدفاع والأمن الوطني، المجهّزة بأسلحة متطورة، والتي تلقّت تدريباً عالي المستوى من خبراء القوات الأمريكية على مدى عقدين متواصلين، تبخّرت واندثرت في مواجهة هجوم طالبان.


ونظراً لأن بايدن من عتاة السياسيين في واشنطن وأقدمهم، فلم يكن أمامه من خيار آخر غير تقاسم المسؤولية عمَّا حدث مع الصنّاع السابقين للسياسات الأمريكية.

ولا شك أن سقوط كابول بهذه الطريقة المدويّة لا يمثل هزيمة للقوات الأمريكية، بل إن التفوق العسكري الأمريكي لا يزال قائماً دون منازع، ولن يتمكن أحد من تجاوزه أو التغافل عنه في ساحات المعارك خلال المستقبل المنظور.

ويمكن لهذا الانسحاب السريع أن يضع حلاً لمشكلة الانتشار الواسع على الأرض، ويحلّل أمريكا من أعباء ومسؤوليات مكافحة حركات التمرّد التي تتحملها قواتها، ويسمح لصنّاع السياسات بالتركيز على التحديات المنتظرة التي يفرضها التنافس الأمريكي مع الصين.

أما الشيء الذي تحطّم بالفعل من جراء ما حدث، فهو الحلم الأمريكي بتطبيق الديمقراطية الليبرالية في جميع دول العالم، وهو الشعار الذي تمسّك به الأمريكيون بقوة منذ سقوط الإمبراطورية السوفييتية في أوائل التسعينات.

وكثيراً ما يطلق على أفغانستان اسم «مقبرة الإمبراطوريات»، وتوصف استراتيجيّاً بأنها دولة عازلة نموذجية تقع بين مناطق ودول، تشهد الكثير من النزاعات كالشرق الأوسط وجنوب آسيا وآسيا الوسطى.

وبسبب هذه الأهمية الجيوسياسية، ترددت القوى العظمى في غزوها وأبقت على استقلالها حتى في ذروة الحملات الاستعمارية الغربية، لتشبه بذلك تايلاند الواقعة في جنوب غرب آسيا، والتي حافظت على استقلالها بعيداً عن المصالح الاستعمارية البريطانية والفرنسية والهولندية.

والآن، لم تعد هناك قوى خارجيّة كبرى يمكنها الخوض في المستنقع الأفغاني، ولم يبقَ أمام الأفغان إلا أن يتمكنوا من حكم أنفسهم.