الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ماكرون.. وكمين الهجرة

لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتوقع أن الدخول السياسي لبلاده سيكون تحت عنوان إدارة أزمة الهجرة والمهاجرين، كل التوقعات كانت تشير إلى دخول سياسي تحت ضغط جائحة كورونا وتداعيتها وسبل مواجهة انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن التطورات السياسية أعادت فرض إشكالية الهجرة والمهاجرين كمحرك أساسي لكل الأحزاب والمواقف السياسية.

في الماضي القريب كان الجدل حول الهجرة والمهاجرين، هو الذي أعطى زخماً كبيراً لليمين المتطرف الشعبوي لكي يحتل واجهة الأحداث، وكان الخطاب الذي يصدره للرأي العام: يقول إن المآسي التي يمر بها الفرنسيون منبعها سياسة حكوماتهم المتهاونة في مجال الهجرة.

اليمين المتطرف كان يعيب على السلطات الفرنسية أنها تتبنى مقاربة مزدوجة، من جهة تظهر حزماً وصرامة على مستوى الخطاب السياسي، ومن جهة أخرى تتبنَّى سياسيات ميدانية تستقبل بموجبها اللاجئين والنازحين بأعداد غفيرة.

ولمحاولة هذه الاتهامات بلورت الحكومة الفرنسية بقيادة إيمانويل ماكرون قوانين تدير إشكاليّة الهجرة واللجوء، كان الهدف منها سحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف وإفراغ مضمون خطابه المنتقد من عدوانيته.

ويبدو أن هذه المهمة نجحت نسبيّاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تراجع اليمين المتطرف في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.

اليوم عادت هذه الإشكالية لتلقي بظلالها القاتمة وثقلها السياسي على خيارات الرئيس ماكرون، فمع كل التوقعات، التي تشير إلى زحف أمواج من النازحين واللاجئين على الفضاء الأوروبي في الفترة المقبلة، يجد الرئيس ماكرون نفسه مرغماً على إعادة صياغة مقاربته من أجل منع المعارضة السياسية من استغلال هذه الأزمة، وإضعاف أدائه الداخلي أمام الرأي العام الفرنسي.

وفي هذا السباق سيرغم الرئيس ماكرون على اتّخاذ إجراءات حازمة من أجل منع المعارضة اليمينية واليمينية المتطرفة بزعامة مارين لوبين من الاستحواذ على الخطاب المدافع عن الفرنسيين، وحمايتهم من الأخطار الأمنية والاجتماعية، التي قد تترتب على مجيء أعداد كبيرة من اللاجئين.

وتعتبر بعض الأوساط السياسية في فرنسا أن التحدي الكبير الذي يواجه ماكرون يكمن في قدرته على تقديم حلول تحارب اليمين المتطرف، وفي الوقت نفسه تحافظ على الوحدة السياسية لحزبه "الجمهورية إلى الأمام" المعروف بضمه تيارات أغلبها ذات ميول يسارية، والتي لن تقبل أن يركض الرئيس ماكرون وراء اليمين المتطرف من أجل استقطاب الفرنسيين.