الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأمن «الأوروبي» ضرورة

تتردد دعوات إلى تفكيك حلف شمال الأطلسي (الناتو) خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية عام 1989، وتفكيك حلف وارسو بعده، على أساس أنه انتهت دواعي وجود الأحلاف العسكرية القديمة، والتي وجدت بعد الحرب العالمية الثانية وما تبعها من مخاوف الدول الغربية من الزحف الشيوعي باتجاه دولها وشعوبها وقيمها وحضارتها، فكان تأسيس حلف شمال الأطلسي من الدول الأوروبية والولايات المتحدة ضرورة عسكرية أولاً، وضرورة أمنية، وضرورة اجتماعية، وضرورة اقتصادية وغيرها.

وكان الهدف المعلن هو مواجهة الترسانة العسكرية النووية الكبيرة للاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، ولكن انهيار حلف وارسو العسكري كان من المفترض أن يخفف من المخاوف العسكرية لدى الدول الأوروبية، وإن لم يخفف من المخاوف الأمنية لها، فأصبحت حاجة أوروبا إلى حلف أمني يشمل الدول الأوروبية ضرورياً، وإن لم يشمل الولايات المتحدة ، بسبب تحول مخاوف بعض الدول الأوروبية من الاتحاد السوفييتي إلى أمريكا نفسها، بعد تأسيسها للنظام العالمي الجديد عام 1990 واستئثارها بقيادته.

لقد أصبح أمن أوروبا حاجة أوروبية خالصة، وبالأخص أمن جنوب أوروبا وتهديدات الهجرة غير القانونية وتزايد مشاكل الديمغرافيا والهوية الاجتماعية، وتزايد المتاعب الاقتصادية بسبب زيادة البطالة وضعف اقتصاديات بعض دولها، فكانت دعوات فرنسا وألمانيا القديمة والحديثة تتوالى لتأسيس حلف عسكري أوروبي دون مشاركة أمريكا. كان المستهدف غير المعلن هي أمريكا، بسبب ثقل قرارها العسكري على القيادات العسكرية الأوروبية، وما حال دون تأسيس هذا الحلف أوروبياً هو المملكة المتحدة، حيث عارضت تأسيس حلف عسكري أوروبي بقيادة فرنسية أو ألمانية، فكان لخروجها من الاتحاد الأوروبي دور كبير في تجدد دعوات التأسيس.


وكان لتبني الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شعار «أمريكا أولاً» واتباعه لسياسة سحب القوات الأمريكية من الخارج، وتخفيف مشاركة أمريكا عسكرياً في حروب مكلفة مالياً، أو الانسحاب من الأحلاف العسكرية التي لا تساهم الدول المشاركة فيها بحصتها المالية، من أكبر الأسباب التي شجعت الدعوات لتأسيس أوروبا جيشها الخاص بها، بل كان ترامب أكثر صراحة عندما هدد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي «الناتو» ما لم ترفع الدول الأوروبية المشاركة في الحلف من حصتها المالية.


إن الدول الأوروبية الكبرى أمام مسؤوليات أمنية وعسكرية كبيرة لحماية أراضيها وشعوبها وجنودها إذا استمرت أمريكا في سحب قواتها من الخارج، وبالأخص من أوروبا نفسها، أو من الأماكن التي تتشارك فيها قوات أوروبية وأمريكية فيها، وهذا في نظر العديد من المحللين سيؤدي إلى صياغة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والثقافات.