السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

احتواء الصين والحروب الاقتصادية

في أزمة الغواصات الأسترالية التي خلقت توتراً دولياً متعدد الأطراف يتربع صراع الاقتصاد والنفوذ في قلب الأزمة، فباريس ترى فيها خسارة لصفقة ضخمة قيمتها 56 مليار يورو، فيما واشنطن تعتبرها احتواءً للنفوذ الصيني القائم أساساً على النفوذ الاقتصادي.

الصين هي أكبر شريك تجاري لأستراليا، إلا أن اختلاف التوجهات السياسية وصراع المصالح دفع كانبيرا نحو تفضيل التحالف الأمني على الاقتصادي، من منطلق أن بكين تمارس عليها إكراهاً اقتصادياً أقرب إلى المقاطعة بعد أن طالبت أستراليا بالتحقيق في أزمة تفشي فيروس كورونا.

بكين تسعى إلى قيادة العالم، ونظراً للتفوق العسكري الأمريكي فإن الصين بنت نموذجها القيادي على البُعد الاقتصادي، بحيث تمارس نفوذها العالمي عبر شبكة اقتصادية تتحكم بها، إذ أصبح الاقتصاد والتجارة أسلحة تشهرها بكين في وجه أي دولة تحاول تهديد نفوذها العالمي.

اتفاقية «أوكوس» التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، قائمة على فكرة رئيسية مفادها أن تنمر بكين الاقتصادي على كانبيرا سيصل حتماً إلى خضوع أستراليا في حال تُركت وحيدة، وبالتالي يعتبر ذلك تهديدا للمصالح الأمريكية في آسيا والمحيط الهادئ، وهذا ما لن تسمح به واشنطن في هذه المرحلة التي تشهد صراعاً واضحاً على تزعم العالم، فالسياسة الخارجية الأمريكية موجهة في هذه الفترة نحو آسيا باعتبارها ركيزة عملية لاحتواء التنين.

أستراليا بحاجة لعلاقتها التجارية مع الصين، التي تعتبر المنفذ الرئيسي لصادراتها الأساسية، إلا أن التخوفات الأمنية والتدخلات التي تشكو منها كانبيرا عززت من شواغلها، الأمر الذي يبدو معه أنها حسمت أمرها تجاه الذهاب نحو الدخول في تحالف موجه مباشرة ضد الصين رغم كل المنافع الاقتصادية التي تجنيها من علاقتها مع بكين.

على الطرف الآخر، ورغم أن واشنطن استفادت حتماً من صفقة الغواصات الضخمة إلا أن محركها لم يكُن ضرب حليف أوروبي مقابل صفقة اقتصادية، بل يتعدى الأمر ذلك إلى إظهار أنيابها في وجه التنين الصيني المتململ من القيادة الأمريكية للعالم، والطامح لنفوذ دولي يوازي قوته الاقتصادية، لذلك فإن محاولات الرئيس الأمريكي جو بايدن احتواء الغضب الفرنسي قد تسفر عن إرضاء باريس بصفقة بديلة تعوضها عن الخسارة التي لحقت بها.

بالمحصلة فإن أزمة الحرب الباردة بين الصين وواشنطن ستؤدي إلى حرب اقتصادية من نوع آخر، تتمثل في ضغط كلا الطرفين على الحلفاء والشركاء للاختيار بين التحالف الأمني الأمريكي والشراكة الاقتصادية الصينية.