السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الريع والفساد.. المجتمع والآثار الاقتصادية

لم يتمكّن كثير من الدول العربية ابتكار رؤية مؤسّسية يلتحم فيها الاقتصاد والسياسة لبلورة استراتيجية دقيقة في خلق الثروة وإبداع آليات قويّة للإنتاج، والرّفع من مستوى توزيع الموارد الاقتصادية.

يُعزى هذا العجز إلى آفة الدول الريعية التي ما زالت تحكم الاقتصادات العربية باعتمادها على قواعد المحاباة، وتثبيت شبكات المحسوبية وإرادات اللوبيات المتنفذة.

لا ينتج عن النّسق الريعي تشويه المخرجات الاقتصادية وتعميق فجوة الفوارق الاجتماعية والحدّ من فرص العمل فقط، بل يؤسّس لانهيار بنية الثّقة في المؤسّسات وخلق عداءات ظاهرة ومبطّنة للدّولة. هنا، لن تكون التّقنية الاقتصادية- مهما بلغت دقّتها- حلاً لتحقيق النموّ والتّخفيف من الأزمات الاجتماعية دون إرادة سياسية مصاحبة وناجعة، لأنّ المدخل الأساس للحدّ من سرطان الرّيع يتجسّد في هذه الإرادة، التّي تمثّلها مؤسّسات سياسية مسؤولة تتشبث بالإنصاف والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.


وإذا كان الرّيع لا ينفصل عن الفساد، فإنّهما معاً يُبطئان معدّلات النموّ ويُضعفان تراكم مخزون رأس المال الذي يعتبر محورياً في عملية الإنتاج.


غالباً ما تُقيم منظومة الفساد آليات مضادة لكل رؤية مؤسسية اقتصادية وسياسية، فتفرّخ لوبيات انتفاعية من داخل الدولة وخارجها مع اجتهادها في إفراغ السيّاسة من محتواها ومسخها بخلق نسخ لها من الفاعلين السياسيين والمدنيين والمثقفين والإعلاميين، وهي نسخ للدعاية تسعى إلى شرعنة تطبيع هذه اللوبيات مع الدّولة ثمّ التحكّم فيها. هدفها توجيه الموارد والإنفاق الحكومي نحو عمليات غير منتجة وبكلفة اقتصادية باهظة ليست لها أي صلة بالنشاطات الإنتاجية المفيدة.

أغلب الأبحاث المختصة بدراسة آفة الرّيع والفساد في البلاد العربية، تتفق على أنّ الهشاشة السياسية المتمثلة في شكليات المنظومة التشريعية والمؤسسية لدى هذه البلدان، جعلت من الريع والفساد أكثر استحكاماً وتجذراً، إذ كادا أن يُكوِّنا ثقافة جماعية، حسب مسوحات منظّمة الشّفافية الدولية المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فكلّ فرد، حسب هذه الدّراسة، من بين 3 أفراد قد دفع رشوة، ما يعني نجاح هذه اللوبيات في تحويل الفساد إلى عدوى تمكّنت من مفاصل المجتمع. لهذا لم تدّخر هذه اللوبيات أيّ جهد في محاربة السياسة وتبخيس الثقافة والفن باعتبارهم في منظورها الخاص أشياء غير منتجة، وليست جالبة للثروة، لأن الاهتمام بالسياسة في علاقتها بالثّقافة والفنون، يعني بلورة وعي اجتماعي مضاد، وإعطاء معنى لمفهوم الانتماء إلى الجماعة.

لن يتحقّق أبداً النمو المطلوب في مختلف البلاد من دون استراتيجية مدقّقة لمحاربة الريع والفساد واعتبار الشأن الاقتصادي شأناً مجتمعياً وسياسياً يخدم الدولة الوطنية والمجتمع معاً.