الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الهجوم مع القطيع

ثمة فرضية تقول: «الناس لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن الأشياء التي تُغذي فضولهم».. وكلمة الناس هنا ترمز للعقل الجمعي، أكثر من أي معنى مباشر آخر.

قبل فترة طويلة- نسبياً- قام حساب تويتر مشهور باللامصداقية بنشر خبر مفاده أن أكاديمية عربية تلفظت خلال إحدى المقابلات التلفزيونية بعبارات تعد مسيئة للدين الإسلامي الحنيف، وعلى الفور تداعى المتابعون للهجوم على الأكاديمية ورميها بأبشع الصفات والألفاظ، وبعد دقائق قليلة قام أحد المتابعين بتوضيح الأمر، حيث إن المقطع المنشور منتزع ومجتزأ من سياقه، وبعد نشره كاملاً اتضح أنها كانت تنقل كلاماً سبق أن ورد في صحيفة أوروبية، وقامت بعد ذلك بتفنيد هذا الكلام والرد عليه، بمعنى أنها كانت تدافع عن الإسلام، ولم تُسِئ له بأي شكل من الأشكال.

في تلك اللحظة، أخذتُ جولة مطولة على الردود، وخرجت بملاحظة مهمة، وشديدة الوضوح؛ وهي أن معظم المتابعين استمروا في هجومهم على الأكاديمية، ولم يتوقفوا كثيراً عند التصحيح المهم الذي أورده المتابع الأمين، وكأنهم وجدوا في الهجوم على الأكاديمية متعة كبيرة، ولا يريدون لهذه المتعة أن تتوقف، فحتى عمليات إعادة التغريد كانت للخبر المكذوب أكثر بكثير من التوضيح المهم.

البشر يبحثون دائماً عن ما يثير دهشتهم ويعزز قناعاتهم السابقة وهو ما يجدونه غالباً في الشائعات

هذا مثال واحد على انسياق الغوغاء خلف الأخبار المكذوبة، وعدم اهتمامهم كثيراً بالحقائق!

لو تأملتم واقع الحياة من حولكم، فستجدون عشرات، وربما مئات الأمثلة التي تعضد هذه الفرضية، وتكاد ترتقي بها إلى مرتبة الحقيقة، وهو أمر يثير فضول أي باحث، ويدفعه للغوص أكثر في هذه الظاهرة، ومحاولة فهم دوافعها، خصوصاً أنها تتسبب في ظلم الكثير من المفكرين، وتحملهم أوزار ذنوب لم يقترفوها.

في محاولة شخصية مني لسبر أغوار هذه الظاهرة، عكفت على قراءة عدد من الكتب التي تناولت طبائع البشر، وميولهم الفطرية، منها مجموعة كتب للدكتور علي الوردي، يأتي في مقدمتها كتابه الشهير «مهزلة العقل البشري»، وأكثر ما استرعى انتباهي في كلامه، هو استمرار طبائع البشر على ما هي عليه، رغم مرور السنين، وتطور العلم.. وكأن الزمن في حقيقته عجلة تدور حول نفسها، والمشهد الذي نراه اليوم، سنشاهده مرة أخرى بعد اكتمال الدورة؛ فالبشر يبحثون دائماً عن ما يثير دهشتهم، ويعزز قناعاتهم السابقة، وهو ما يجدونه غالباً في الشائعات، وأخبار الفضائح عن أشخاص يظنون فيهم السوء.. أما الحقائق، فتعمل على إطفاء الدهشة، وإيقاف عملية التعزيز؛ لذلك لا يستمتعون بها كثيراً.