السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

النقد.. و«إنسان السماء»

الفن هو ترنيمة الخلود لإنسان السماء، والفنان هو روح وجسد الثقافة، لذلك نجده يتجه إلى السماء، التي هي مسقط رأس إنسانيته وآدميته، ما يعني أن الفن هو الخلق المستمر للذات ولتأثير الإنسان في نفسه.

في هذا السياق يقول الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش «إن ما يخبرنا به الفن يفوق قدرتنا على التصديق.. كأننا إزاء رسالة دينية.. انظر إلى لوحة يوم الحساب لـ(مايكل أنجلو)، أو قطعة من فن الأرابيسك على مدخل قصر الحمراء في غرناطة، أو إلى قناع من جزر الميلانيريا، أو رقصات أوغندية أو إلى لوحات الجصيّة اليابانية القديمة، أو إحدى روائع بيتهوفن، لسوف تجرب شيئاً غامضاً كاللغز يفوق المنطق والمعقول كما تشعر في الصلاة».. هذا عن الفن، فماذا عن العلم؟

العلم هو التعريف المبسط للحضارة، كما يعني استمرار حياة الإنسان ذات البُعد الواحد، وهو يهتم بالتبادل المادي بين الإنسان والطبيعة، ويكتشف القوانين، ويعمل على تسخير اكتشافاته للسيطرة ورفع مستويات التنمية.


والعلم في جوهره بحث عن الحقائق وعن الدقة، ويسعى إلى التغير المستمر لدوائر الحياة، وإلى المعرفة الحقّة، التي يرى فرانسيس بيكون «أنها المعرفة الوحيدة التي تزيد من قوة الإنسان في هذا الكون».


نخلص إلى أن للعلم مقاييس ثابتة ودقيقة، وينهج إلى إشباع حاجات الإنسان، ويبحث عن الكم، وهو إبداع فريق، ويحفز عن الحرب، أما الفن فليس له مقياس ويزهد في الماديات، ويبحث عن الكيف، وهو إبداع فرد، ويدفع نحو السلام، وهذا الاختلاف يجعل من المستحيل إسقاط النظريات التحليلية والعلمية خلال نقد الأعمال الفنية، لأن جميع القواعد العقلية والمنطقية لن تصل إلى سمو الفن، والمبدع سواء أكان كاتباً أم ملحناً أم رسَّاماً أم نحّاتاً أم شاعراً، فإن السماء هي مصدر حواسه وأفكاره، حيث يكون في غيبوبة فنية لحظة إبداعه، حتى إنه لا يعلم كيف أنتج عمله، ولهذا السبب يجلب النقد الضرر للفنان أكثر من تسليط الضوء على عمله، لأنه بكل بساطة لا يوجد تفسير للفنان، وإن كان يسهل على المشاهد العادي إدراك الرسالة الحقيقية للعمل الفني أكثر من الناقد، على النحو الذي ذهب إليه الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي حين قال «لقد حظيت دائماً بتأييد قُرّائي لا نُقّادي».