الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

هُوية الأزياء وفكرها

إن كل مظاهر الوجود اليومي للإنسان عبارة عن علامات تشكل انعكاساً للثقافة المجتمعية التي تخبر عنها وتكشف عن هُويتها؛ فالطقوس الاجتماعية واللباس والأداء الفني والأدبي، وكل مظاهر الحياة الاجتماعية، علامات نستند إليها في التواصل مع الآخر (الإنسان والفضاء الذي يحيط بنا). إنها لغة تحتاج إلى تقعيد، أي تحتاج إلى الكشف عن القواعد التي تحكم طريقتها في إنتاج معانيها، مستندة في ذلك وفي الكثير من الحالات إلى ما تقترحه العلوم الأخرى من مفاهيم ورؤى وتصورات، ولهذا فإن اللباس واحد من تلك العلامات المميزة التي تؤسس هذا التواصل.

يذكر نيكولاس كولردج في كتابه (مؤامرة الأزياء) أن بعض الحكماء قال أن: (الزي أعظم الطغاة وأشد العتاة ولكن الكل يدينون له عن طيب نفس سواءٌ أعلوا في الحضارة أم أعرقوا في البداوة، لأنهم يميلون إليه من نفس الطبع)، إنها سلطة الزي الدالة على الإنسان اجتماعيا وثقافيا؛ ذلك لأن الأزياء تدل على الشعوب وعاداتهم ومستوياتهم المعرفية وهي سلطة لها قدرتها على الإغواء.

وهذه السلطة على قدرتها فإنها تعبر عن هُوية المجتمع وتقدم مظهرا من مظاهر التنوع الثقافي الذي يميز المجتمعات، ذلك لأنها ترتبط بتنوع البيئات الجغرافية للمجتمعات، والتي تعكس القيم الثقافية في الحقب التاريخية المختلفة.


إن الموضوعات التي ترتبط باللباس وأزيائه، فُهِمت باعتبارها تواضعية مجتمعية واصطناعية، تواضع عليها مجتمع ما في حقبة تاريخية معينة ثم أصبحت متكررة عبر حقب لاحقة حتى بات لا يُعرف لها مُنشئ أول، وقد أصبحت مرتبطة بمجتمعها ارتباطا وثيقا من حيث الدلالة والهُوية، لهذا سنجد أن منطقة الخليج العربي تتميز بإرث ثقافي ملبسي له دلالات متعددة فلباس النساء يختلف باختلاف وضعها الاجتماعي (فتاة، امرأة مخطوبة، أو متزوجة...)، وهكذا لباس الرجال الذي يتمايز تمايزا جغرافيا أو اجتماعيا أو مهنيا؛ فهناك لباس أهل البادية وآخر لسكان السواحل والريف، وهناك لباس للعمل وآخر للمناسبات وغير ذلك، بالإضافة إلى أدوات الزينة المتعلقة باللباس في كل مجتمع من تلك المجتمعات المتنوعة على مستوى الدولة الواحدة والمنطقة بل والقرية الواحدة.


وعلى ذلك فإن الأزياء تمثل هُوية ليس للفرد فحسب بل للمجتمعات أيضاً، لأنها علامة من العلامات ذات الدلالات المفتوحة معرفياً وثقافياً؛ والتي علينا الحفاظ عليها ليس فقط بوضعها في المتاحف الوطنية بها بل بسبر تاريخها وإعادة تصنيعها بما يتناسب والعرف المجتمعي المعاصر، وبما يحقق قدرة المجتمع على التطوير.