الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

تاريخ روائي أضيق من معطف غوغول

الأدب الجزائري يدين بالكثير لرضا حوحو الذي منح الروح والجسد وفاءً لقناعة عميقة تبناها منذ البداية وكلفته حياته.

فكلما ذُكرت كلمة معطف في الأدب أحالت مباشرة إلى غوغول أبو القصة الروسية، أعظم كُتاب النصوص وأكثرها تأثيرا في الثقافة الروسية الكلاسيكية والعالمية، وهذا المعطف نفسه يحيل عندنا إلى رضا حوحو الذي لم ينل الدرس النقدي الذي يستحقه ويضعه في مكانه الحقيقي.

إن هاجس السؤال ينتابني كلما قرأت نصوص الجيل الذي أعقب رضا حوحو في الكتابة القصصية والروائية، هل حقيقة خرج كُتابنا من معطف رضا حوحو؟، وهل انبنى مشروع رضا حوحو على معرفة مسبقة وحقيقية بأصول الفن الروائي؟، ألم يكن لقاء رضا حوحو مع الفن الروائي محض صدفة ثقافية؟.


كان حوحو يُتقن اللغة الفرنسية وقليلا من الروسية، وقرأ جزءا مهما من كلاسيكيات الرواية الفرنسية والروسية مما أهله لخوض هذه التجربة؟، فلماذا انتظر نهاية الحرب العالمية الثانية ليكتب رواية غادة أم القرى؟، وما هي الطفرة التي غيرت النظام المستكين للأشكال السردية والأجناس المهيمنة؟، وماذا حدث في فكر رضا حوحو وفي البلد نفسه وفي اللغة العربية ذاتها في الجزائر، في تلك الفترة تحديدا؟، ولماذا كتب أول رواية جزائرية «غادة أم القرى» بالمعنى الفني في مكة في 1947، ونشرت في تونس، ولم يكتبها في الجزائر؟، وهل هناك مبررات موضوعية يستطيع البحث الأكاديمي أن يجيب عنها؟.


وثُم، هل عبد الحميد بن هدوڤة مثلا هو الابن الشرعي الذي خرج من معطف حوحو؟، إن المقاربة البسيطة تُبرر شكوكنا، لأن حلقات التواصل في الثقافة الجزائرية كانت مفقودة بسبب الاستعمار، فهي مبنية لا على القطيعات الطبيعية، ولكن على التمزقات المفروضة في جسد اللغة التي لا تسمح للأشكال بأن تأخذ مداها التطوري الطبيعي.

إن بن هدوڤة، في آخر حوار أجريته معه في بيتي، في باريس في سنة 1996، أي شهورا قليلة قبل وفاته، أكد لي أنه لم يقرأ لا عبد المجيد الشافعي، ولا نور الدين بوجدرة، ولا محمد المنيع لعدم توفر نصوصهم، ولظروف الحرب القاسية التي أجبرته على التنقل الدائم بين فرنسا والجزائر وفرنسا وتونس، وإن لامس جزئيا بعض قصص رضا حوحو، ولكنه بالمقابل قرأ الرواية العربية بشكل كامل، فقرأ سيرة طه حسين، يوميات توفيق الحكيم، وثلاثية نجيب محفوظ، وقرأ الرواية الكلاسيكية الفرنسية، والروسية على وجه الخصوص.

أليست الكتابة الروائية هاهنا متولدة عن صدفة القراءات التي شكلت وعي ابن هدوڤة الروائي، فهل كان ابن هدوڤة يدرك بأن ريح الجنوب ستدخل جسما جديدا وربما غريبا على السردية الجزائرية مثلما فعل رضا حوحو قبله بشكل أقل حنكة؟.

إن التاريخ الثقافي العام للجزائر لا يقدم إجابات نقدية حقيقية ويكتفي بالحلول العامة السهلة، ظل الدرس الأكاديمي يدور فيها، وعندما ندخل في هذه المنطقة يزداد ظلام البحث في تاريخ الأجناس.