الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الجائزة بين الذائقة والإجماع

لجنة أي جائزة هي سيدة قرارها في النهاية، وكل شيء يتم تحت مسؤوليتها، وتتحمل طبعاً نتائج خياراتها إيجاباً وسلباً.. هكذا تسير لجان التحكيم في العالم كله، والعالم العربي الحديث لا يشذ عن ذلك.

وطبعاً أن تكون النتائج مطابقة نسبياً لأفق الانتظار أو مخالفة له فهذا أمر طبيعي، والمشكلة غير الطبيعية هي عندما تصبح الذائقة هي المرجع في الحكم الكلي، كأن يُقال لنا وهذا ما نسمعه باستمرار: إنها ذائقة اللجنة.

وهذا طبعاً إن قبلنا به فهو لا يكفي أبداً ولا يشكل مقياساً علمياً، ومن المؤكد أن للذائقة دوراً ليس في التقييم النهائي ولكن في الإعجاب الأولي بنص من النصوص واختياره مبدئياً، لكن يتم بعدها تخطي الذائقة بعدما تقوم المؤسسة القارئة بتحريك آلتها الثقافية والفكرية والنقدية في البحث عن مكامن المميزات الأدبية التي توجد في هذا النص أو ذاك، وتبحث في عمق النص وبنياته وتيماته خارج العتبة الأولى أي عتبة الذائقة.


فعندما يتم إبعاد كاتب كبير ومتميز عليه إجماع كلي بين المؤسسة القرائية والنقدية، تنهض سلسلة من التساؤلات الطبيعية على رأسها أولاً: هل النص ضعيف؟ فإن لم يكن بمستوى سمعة الكاتب، فهو بعيد عن بقية نصوصه التي رفعته نحو أعالي السُدة وهذا يمكن اختباره بسهوله. فيكفي أن نرى المقروئية المسجلة في الوسائط، والمقالات التي كُتِبت حول هذا النص لندرك هل كان فعلاً حاملاً للجديد؟


قراءتنا الذوقية لا تكفي وحدها، وكثيراً ما تكشف لنا القراءات الأخرى بالخصوص في مراحل الجائزة النهائية ما لم ننتبه له.

وثانياً: أليس الخلل في لجنة القراءة نفسها؟ ولأن التجربة متفردة في خصوصيتها، لم تستطع اللجنة قبولها لأنها خارج المعيار، فذهبت نحو أبسط الحلول أي رفض النص، فالمعيار مهم ولكنه مهلك أيضاً لكل جديد.

ثالثاً: قد يتخفى وراء الإقصاء سبب سياسي، فيقف حائلاً بين المؤلَّف والجائزة، فتكون اللجنة وقتها مسؤولة أمام نفسها وأمام الرأي العام بقبولها أن تقع تحت وصاية المؤسسة السياسية والأيديولوجية الدينية.

وقد يكون سبب الإقصاء خارج التقييم الأدبي، ومرده وجود شخص لا يحب الكاتب المرشح، فيقصيه، فالأحقاد والغيرة والحسد تُعمي في غياب النفس العالية المترفعة، ولنا ذكرى في جائزة الغونكور الفرنسية مرجعاً، فقد لعب الطاهر بن جلون دورا سلبيا في حرمان كمال داوود من جائزة الغونكور لدرجة أن هذه الأخيرة خلقت جائزة غونكور الرواية الأولى، ومُنحت لداود تفادياً للإحراج، ومنحت الجائزة لسيدة توقفت عن الإنتاج بعدها، بينما استمر كمال داود في إنتاجه وعمله، وفوزه بجوائز أخرى.

بهذا يصبح التقييم على أساس الذائقة الأدبية لا معنى أمام صرامة المسؤولية، وعلى اللجنة في النهاية أن تمتلك الشفافية الكافية والقدرة القرائية المتعددة، للذهاب نحو ما يميز النص المرشح عن غيره، وفق آليات موضوعية تتحكم فيها عناصر كثيرة وليس الذائقة وحدها.