الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الفيروس السياسي

ضرب وباء بعض دول أوروبا عام 1348، ومن بينها مدينة فلورنسا الإيطالية، كتب جيوفاني بوكاتشيو رائعته الشهيرة (الديكاميرون)، وهي مجموعة من القصص تحكيها 7 شابات و3 شباب، التقوا صدفة في كنيسة المدينة، وقرروا الهروب إلى الطبيعة ليبتعدوا عن خطر الطاعون، وهناك رويت (المائة) حكاية التي يعدها بعض المؤرخين أول عمل روائي في تاريخ أوروبا.

في قصر منيف خارج فلورنسا قضى هؤلاء الأصدقاء 10 ليال، يتناوبون فيها على سرد الحكايات، ومن ذلك الوباء القاتل، الذي سمي بالموت الأسود، والذي أودى بحياة ثلث سكان أوربا، ولدت هذه الرائعة الفنية.

في ذلك الزمن، قرون العصور المظلمة، كانت الأوبئة تحصد البشر المساكين والذين يلجؤون إلى تفسيرات غيبية، مثل العقاب الإلهي ونقمة السماء. ويحيلون الأمور إلى حوادث عرضية وقعت قبيل زحف الموت الأسود عليهم. ليبرروا هذا الخطر القاتل. بوكاتشيو وحده عرف أن السر في تلوث الهواء والحياة من حوله، فذهب إلى الريف يكتب مدونته الخالدة.

في هذه الأيام، يعيش العالم، وانطلاقاً من أكبر دوله من ناحية عدد سكانها، رعب فيروس كورونا، فاستعد له سكان الكوكب بكل الاحتياطات الضرورية، وظهرت أزياء الكمامات الملونة بالأزرق والأبيض والأخضر. ولكل لون منها معنى خاص بوظيفتها. ففي المطارات والمولات والشوارع، أنت بمواجهة بشر حكم عليهم بالصمت، وعدم الرغبة في المصافحة.

المهم أنه غادر الآن من الصين إلى إيران، التي لديها أطول حدود مع بلادنا، والعراق لا يمتلك الإمكانات الخاصة بمواجهة الخطر المقبل من الشرق، لذلك طالب كثير من المدونين بإيقاف حركة السفر بين البلدين.

ونتيجة للتشنج السياسي بين هذين الجارين، حيث يتهم المحتجون الشباب منذ 5 أشهر جارتهم بأنها تفسد عليهم الحياة، تحول السجال من الوباء إلى السياسة.

وهكذا أصبح هذا الفيروس الذي عجز علماء العالم حتى اللحظة عن إيقاف استهتاره بحياة البشر، فيروساً سياسياً ودخل سجل المؤامرات الخطرة التي تحاك في الظلام. حمى الله العراق وكل بلدان العالم من خطر كورونا ومن أفعال السياسيين.