الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الفن.. وحدود الزمن

أول أغنية أطربتني حين بدأ وعيي يتشكل كانت للفنانة نجاة الصغيرة، تقول فيها:

«ماذا أقول له إن جاء يسألني .. إن كنت أكرهه أو كنت أهواه؟

غداً إذا جاء أعطيه رسائله .. ونطعم النار أحلى ما كتبناه».


هذه الأغنية المفضلة لأمي، وأنا ورثت ذائقتها العذبة وذائقة جيلها جيل الخمسينات، نجاة الصغيرة، عبدالحليم حافظ، وردة الجزائرية، فيروز - لا أعدها فقط لذلك الجيل، لأنها استطاعت أن تكون فناً لكل العصور والأجيال - فهؤلاء فنانون شكلوا ذائقة المجتمع وغنوا قصائد ترتقي بفنهم جعلت من الكلمة واللحن والأداء منظومة متكاملة.


والأفلام السينمائية كذلك كانت مفعمة بالرومانسية، أغلبها مأخوذ من روايات لمبدعين عرب مثل: إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ، وإني أثق بأن الاستعانة بالأدب والشعر والرواية يضع هذه الأجناس الإبداعية على خارطة الفن الراقي وفي ذائقة المتلقي، ويسهم في تشكيل وعي المجتمع، ولعل السؤال الملح في عصرنا هذا هو: هل الفن الذي عرفناه قادر على أن يصمد في ظل ما ينتجه شباب الجيل الحالي من فنون خاصة بهم تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة كالنار في الهشيم؟ وهل يمكن أن يندثر الفن الذي ألفناه وتعودناه عليه ليصبح شيئاً فشيئاً من الماضي؟

وهل من الممكن أن نستبدل روائع نزار قباني وعمر أبوريشة بكلمات مارقي المهرجانات و«الكليبات» المجنونة؟ ومغنيات الإغراء وفناني المؤثرات الصوتية؟ وهل يمكن للفن أن يصبح عملة قديمة لا تصرف في زمن السرعة والعالم الرقمي والروبوتات وشباب Tik Tok وBigo Live؟

وهل يمكن للفن أن يتحول مثل بعض الوجبات السريعة التي تحوي كمية دهون أكبر من المكونات الرئيسة، فتترهل أرواحنا التي تتعاطاه وتتجلط في شراييننا نوتاته وكلماته الرثة؟

وما مصير الفن الذي أنتمي إليه وكثير من جيلي ومن قبله يطرب له ويمس ذائقته؟ وهل سيكون من الماضي ويتحول مطربوه إلى مجرد تماثيل شمعية في متاحف يزورها السياح كموروث تاريخي؟

يقول الناقد السعودي رجا المطيري: «قيمة الفن لا تقاس بمعيار الزمن بل بمعايير الجمال التي تتجاوز حدود حدوده، لذلك حين نقارن بين أغنية جديدة وأغنية قديمة، فنحن لا نقارن بين زمن وزمن بل بين قيم الجمال في كلتيهما».

ليس حنيننا للزمن الجميل فقط بل معايير الجمال والذائقة هي ما يحتم أن نكون مخلصين للفن الذي كبرنا معه، وسلامة ذائقتكم قرائي الأحبة.