الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نشتاق إلى «الناس»

العابرون المستطرقون، الذين كنا نتزاحم معهم في الشوارع، ومراكز التسوق، ووسائل النقل.. أولئك الناس المجهولون الذين كنا نتجنب نظراتهم الفضولية.. هؤلاء الذين نسميهم بطريقة تجريدية: (الناس)، فجأة تحولوا إلى ذكرى مشوشة وظلال شبحية غير قابلة للغياب، وغير قادرة على الحضور.

إلى أولئك الذين لا نعرف أسماءهم نشتاق إلى غربتنا بينهم، فبدونهم نحن مجرد أشخاص وأفراد لهم أسماء في عوائلهم. ونحن أيقونات في تطبيقات التواصل الاجتماعي.. الغرباء الذين يمرون إلى جانبنا دون أن نلتفت لهم، هم من يجعل من هذا الفرد أو الشخص إنساناً.

كم كنا نتذمر حين لا تعثر أعيننا على مقعد شاغر في مقهى أو مطعم أو مصطبة استراحة، لأن شخصاً ما قد سبقنا واحتلها قبلنا، ولم نكن ندرك ساعتها أن هذا هو بالضبط ما يسمى بالحياة، أو تيار الوجود، أو الغرق في المحيط الاجتماعي.

ما الإنسان بدون هؤلاء المجهولين، الذين اختفوا فجأة من الأماكن، وحجروا على أنفسهم خوفاً منا، كما نتجنّبهم نحن تحت شرط «التباعد الاجتماعي».

الإنسان هو الفرد الاستثنائي من حاصل جمع هؤلاء الناس، وبتواريهم عن حياته، فهو مجرد من صفته هذه، حتى تعود الحياة مرة أخرى إلى طبيعتها.

أفكر أحياناً بوجوه عديدة تركت انطباعاً دعني أسميه «انطباع العابر» مثل وجه ذلك الرجل العجوز، الذي يمشي ويتوقف فجأة وسط الطريق لأن مسألة ما شغلت باله، ثم دون أن ينتبه يستدير إلى الجهة الأخرى ويواصل طريقه.

أتذكر تلك المرأة الشابة التي تحمل رضيعاً بينما تحاول ابنتها الصغيرة اللحاق بهما.. أفكر بطلاب المدرسة، وموظفي البلدية وشرطي المرور، وسائق الحافلة، والبائعة النحيفة في مركز التسوق، وأشتاق لهم من دون مناسبة، فنحن أحياناً ومن دون تفسير، نشتاق إلى الأشياء التي لا نعرفها. وبطبيعتنا كبشر لدينا «حنين لا نعرف لمين» كما تقول فيروز.. في بيوتنا نحن ننتمي إلى العالم وفي الشارع نحن أبناء الحياة