السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«تاكيكارديا».. والموت المجهول

الحديث عن الأطباء الأدباء حديث قديم ومتجدد، نتيجة الأفكار النمطية عن الهوية الثقافية للأديب التي تقربه من التخصصات الإنسانية، لكن الإبداع دائماً يفاجئنا بأنه متجاوز للأطر ولا يعترف بالمألوف، هذا ما أستشعره في كل عمل روائي أقرأه للروائي والطبيب السوداني أمير تاج السر.

رواية: «تاكيكارديا» عالم روائي مزدحم يصعب أن تصادفه في مساحة الرواية المحدودة، العنوان يعني تسارع نبضات القلب باللاتينية القديمة، إنه اسم طبي، والرواية حسب وصف صاحبها قريبة من السيرة الذاتية، وهذا ليس إلا إيهاماً بالواقعية برغم أن الشخصية الرئيسية في الرواية طبيب يعمل في قسم الولادة، وفي هذا المجال المكاني تجري قصص كثيرة وتطوف شخصيات عديدة.

المتميز في عالم تاج السر الروائي هو اللغة الشعرية شديدة الذوبان في التعبير، وفي تشكيل الصور، كما أن الكم الكبير من الشخصيات والعدد الهائل من القصص الفرعية التي تتسلسل من أحداث القصة أو تستدعيها ذاكرة السارد أو باقي الشخوص تنم عن بذخ في الخيال السردي يجعل الأديب مفرطاً في طرح مدخراته السردية دفعة واحدة، دون أن يفكر في تحويل بعضها إلى أعمال روائية متعددة، أو يجمع القصص الفرعية في مجموعات قصصية منفصلة.


السلاسة التي تأخذك بها الرواية بين الأحداث الكثيرة والشخصيات المتزاحمة تجعلك تنسى تتبع القصة المركزية في الرواية، وهي شخصية «مجهول» وتقصِّيه الطويل عن الموت «مجهول السبب» لقريبته شريفة مختار، ثم تعرف الطبيب على والد «مجهول» ثم موت الوالد وموت «مجهول» لسبب مجهول أيضاً، وقصة المجهول هي القصة الوحيدة المتكررة والممتدة منذ بداية الرواية حتى نهايتها، فالموت المجهول كان الخيط الذي يشد كل ازدحام الرواية حوله، إنه موت يرفرف حول مستشفى الولادة حيث تتعرض النساء للنزف والجراحات المختلفة ويلدن ويخرجن، ويتطفل عليهن جيرانهن من العصابيين.


قراءة رواية ثرية مثل «تاكيكارديا» تمرين ممتع لتمتحن نفسك بين المتعة والتركيز، إنها رواية الإيهام، فجانب السيرة الذاتية يوهمك بأن قصصها حقيقية، بساطتها توهمك أنها ليست إلا نظماً لحكايات كثيرة مرت بالسارد، الألغاز والأسرار التي تكتنف ظهور بعض الشخصيات واختفاءها، وغرابتها توهمك بأنه عالم غير مكتمل، ولكنك ستكون مجبراً على إعادة قراءة الرواية كي تبحث عن مكمن أسرارها، وعن المسار الذي يضبط عين السارد في اقتناصه لأحداث الرواية، فالمتعة في قراءة الرواية لا تعني أن نتوقف عند حدود الجماليات الظاهرة للنص.