الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نرجسية الفرد في الدراما العربية

من الطبيعي أن تثير الدراما العربية جدلاً دائماً، خصوصاً فترة زخمها في شهر رمضان حين تعبأ ساعات البث بعشرات المسلسلات من كل الأقطار العربية، وذلك لأن الدراما أحد مخرجات الثقافة المحلية، التي تنم عن نمط تفكير وتوجهات مؤسساتية، وأحياناً توجيهات رسمية، لا تعمل اعتباطاً، وإن بدا لنا كثير من الأعمال الدرامية اعتباطية في حد ذاتها، فهي تكرس لأنماط سلوكية معينة، وتروج لصور ثقافية منتقاة بعناية.

من أخطر الظواهر التي كرّستها الدراما العربية عبر السنوات الطويلة الماضية هي (نرجسية الفرد)، إذ تبنى أعمال درامية بالكامل لتمجيد (ممثل) معين وليس بطل العمل الدرامي، استناداً إلى تصاعدية الحبكة، وهذا ما أدى إلى تحول رمضان إلى مهرجان نجوم، يتألق فيه (الفنان) كل عام في عمل يمجده ويتقاضى عليه الملايين، ترويجاً لنظرية أن العمل الناجح، والفنان الناجح هو الذي يجلب إيرادات كثيرة للعمل الفني.

سنجد أن أسماء الأعمال الدرامية في حد ذاتها صيغت لتمجد الفنان، مثل: الملك، البرنس، الأسطورة، الإمبراطورة، وغيرها من العناوين التي تذكرنا بأسلوب السينما الأمريكية للترويج للبطل الأمريكي عبر أفلام رامبو، وهو قياس مع الفارق، ولكن كل أبطال الدراما العربية النرجسيين مثل رامبو لا يقدمون قيمة حقيقية للمجتمع سوى الترويج لأنفسهم وتلميعهم، ليصبحوا رموزاً ثقافية براقة لسوق الدراما العربية (الخاوي).


ومن مؤشرات النرجسية الفردية في الأعمال الدرامية الانجراف غير المنطقي للفنانات في الإفراط في وضع مساحيق التجميل، وفي عمليات التجميل، في أعمال درامية تستدعي الظهور بالملامح الطبيعية البسيطة.


لم تعد أغلب الممثلات العربيات طبيعيات، فشد (البوتكس) يعوق تعابير العين والوجه فلا يتمكن المشاهد من تقدير الحالة النفسية للممثلة هل هي حزينة أو غاضبة؟! وانتفاخات «الفيلر» تعوق اندماج المشاهد مع الظرف الاجتماعي للعمل الدرامي، خصوصاً إذا كان المشهد من التراث أو من بيئة فقيرة، لا يمكن أن تنسجم مع وجه دعائي للفيلر الكامل والأنف الفرنسي!، وأغلب الفنانات الشابات صرن يهمهن الظهور كـ(مودل) أكثر من اهتمامهن بأداء الدور بتركيبته الإنسانية الحقيقية والعميقة.

النرجسية التي تعبر عنها الدراما العربية تعكس ضمور خيال العاملين في هذا الحقل عن بناء صورة للبطل العربي تتسق مع واقعه وهمومه وطموحاته وآماله، فبإمكان الخيال أن يبني مستقبلاً أو يشوه واقعاً، والفن هو عنوان رقي وتحضر الأمم ومقياس وعيها.

والدراما العربية، للأسف الشديد، تثبت في أغلب إنتاجها أنها لا تمثل الواقع العربي، وغير معنية بالتعبير عن الفرد العربي الحقيقي.