الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحياة.. قصص «ديكاميرون»

«كان يا ما كان في قديم الزمان!».. سمعنا هذه العبارة كثيراً من القصص التي كانت تُروى لنا في طفولتنا، وكم كانت تشدنا تلك الحلقات من المسلسل الكرتوني: «في قصص الشعوب»، وصوت الرّاوي وهو يخبرنا بأن حكاية اليوم من التراث (الإيطالي أو الدنماركي.. الخ)، حيث كانت تبهجنا تلك الحكايات من كل الحضارات والثقافات.

أتذكر وقتها أبرز التساؤلات التي كانت تدور في عقلي حينما كنت في طفولتي المبكرة، منها مثلاً: من الذي كتب كل هذه القصص؟ ومن هؤلاء الأشخاص؟

كبرت ودخلت المدرسة ـ ومثلي مثلكم ــ تأملت كثيراً، واستوقفتني سورة يوسف والسرد القصصي الجميل فيها، ابتداء من رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام، ثم حقد إخوته عليه وقميصه والذئب والسجن، ثم وصوله إلى أن يكون وزيراً في مصر، وكأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا: «أن من احترقت بدايته أشرقت نهايته».


ما أجمل القصص القرآني، وكم تعلمنا منه، فلله سبحانه الحمد من قبل ومن بعد، وهو الذي قال في كتابه: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (سورة يوسف ـ الآية: 3)


العارفون بالله والمحبون له يتفرَّغون للحب، ويتفرغون من الكراهية والبغضاء واللغو، كما يتفرغون حتى من الطلب، بل هم لا يطلبون شيئاً!.. وقصص الأنبياء جمعيها صقلتنا وعلمتنا الكثير، وكيف لا؟ وهي من الله سبحانه.

وأعود بذاكرتي وأتذكر أنني ــ في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية ـ عشقت مادة التاريخ وكل الحكايات والأحداث التاريخية! ومرت السنون!، واقتنعت بأن كل تلك الحكايات في مادة التاريخ، بل ما كان يُحكى لنا، كانت كالسراج لنا لنتعلم، ونعي كيف نتعامل مع الأحداث والمواقف في الحياة!

وعرفت أن الحياة كحكايات (ديكاميرون) للكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشيوــ وهو نوع من القصص يسردها أكثر من راوٍ! والشرح عنها يطول ـــ وتلك معلومة تعلمتها من معلمي ــ مشكوراً ـ الروائي والكاتب: عبدالوهاب السيد الرفاعي، الذي أضاء لي فن كتابة الرواية، وأيقنت بعد ذلك ــ عندما أصبحت كاتبة ــ أنه من الأجمل أن نعامل مواقف الحياة كأننا كُتَّاب!.. بمعنى أن نضع نحن خطوط القصة ونكون نحن أبطالها أقوى من العقبات ونتجاوز ونتعلم، لأن أحداث الحياة ستصبح يوماً ما: «كان يا ما كان في قديم الزمان»، أو «يُحكى أنَّ»، أو «في مكتبتي حكاية»!