الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الأدب على مائدة الصحافة

خلال العقود المنصرمة شهدت العلاقة بين الصحافة والأدب تحولات عديدة في الشكل والمحتوى، وتلك العلاقة الوثيقة حدَّدت اتجاهات الصحافة العربية لحقبة خلت، عندما كان جل العاملين في حقل الصحافة العربية يأتون من بوابات الأدب مسلحين بأدوات الكتابة وحرفيتها العالية، قبل أن يعود بعضهم إلى أحضان الأدب مرة أخرى أو يختفي في دهاليز «مهنة المتاعب»، التي تتهم عادة بأنها تسرق أقلام الأدباء وتختطف أوقات تجلياتهم الأدبية.

ولم يقتصر الأمر على الصحافة العربية، حيث اشتغل أشهر الأدباء والكتاب في العالم بالأدب قبل أو بعد التحاقهم بركب «صاحبة الجلالة»، ومن أشهر هؤلاء: ماركيز وهمنغواي وغيرهم من أدباء نوبل، بينما ارتبطت الصحافة العربية في بواكيرها الأولى وخصوصاً في مصر بهيمنة القادمين من مجال الكتابة الأدبية.

وظلت الكتابات الأدبية تتربع على عرش الصحافة الورقية لفترة طويلة من الزمن، قبل أن تستحوذ المجالات الأخرى على نصيب الأسد من مساحات الصحف، ويشير باحثون مهتمون بتتبع أدوار الأدباء في تأسيس الصحافة العربية، إلى أدباء تولوا رئاسة تحرير صحف مصرية شهيرة مثل: لطفي السيد الذي تولى رئاسة تحرير صحيفة «الجريدة»، ومحمد حسين هيكل رئيس تحرير صحيفة «السياسة»، وطه حسين الذي شغل رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية» وقبل ذلك ترأس تحرير صحيفة «الكاتب المصري».


ولفترة طويلة دأبت كبريات الصحف في مصر على الاحتفاء بالنص الأدبي، حيث كانت «الأهرام» تنشر قصائد أحمد شوقي على صفحتها الأولى، بينما تسابقت الصحف الأخرى على استقطاب أدباء بارزين للكتابة فيها، كما هي الحال مع الأديب عباس العقاد الذي ظل يكتب بانتظام في جريدة «الأخبار».


وقد أسهم اهتمام الصحف حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي بالأدب، في ازدهار الحركة الأدبية وبروز أسماء جديدة، وألقى الأدب كذلك بظلاله الرشيقة على ذائقة القراء، فازدهر جيل من هواة القراءة وعشاق الكتب.

ومع اقتراب الصحافة من عوالم الحداثة والتقنية، تراجع اهتمام الصحف العربية بالأدب، وخلت صحف عديدة من الزوايا الأدبية والثقافية، أو تم وضعها على الهامش، في الوقت الذي ازدهرت صفحات أخرى باتت محط أنظار القراء، كالرياضة والتكنولوجيا، وهو ما يعزز من فرضية أن الصحفيين اهتموا بالأدب عندما كانوا يأتون من بوابته، بينما تغيرت اهتمامات وأولويات القائمين على الصحافة العربية بعد أن أصبح جلهم يأتي من بوابات كليات الإعلام أو رحم «اسوشيال ميديا»، و«المال والأعمال» و«السياسية»، وهي مجالات باتت اليوم تستحوذ على القسم الأكبر من مساحات الصحف العربية التي بات «الأدب» في ذيل اهتماماتها.