الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

في حب درويش وسليم بركات

في الوقت الذي يشهد فيه العالم ثورة عارمة ضد العنصرية، بتحطيم كل رموزها من تماثيل مضادة للإنسانية تمجد بيّاعي الرقيق والعبودية، في اللحظة نفسها وفي الزمن نفسه، يغمض الكثير منا أعينهم ويحملون معاولهم لتحطيم أيقوناتنا الحية التي رفعت الأدب العربي عالياً نحو سماء العالمية.

والسبب، أن الشاعر والروائي السوري الكردي الكبير، الذي اختار العربية وطناً له، سليم بركات، الابن المدلل لدرويش كما يصف نفسه بنفسه، كشف السر المخبوء!

طبعاً لم يكشف عن سر القنبلة النووية العربية ـ الكردية، ولكن كشف عن شيء آخر يبدو أهم في عيون الذين أثاروه ومسحوا من خلاله درويش وطالبوا بشنق سليم، ما هو هذا السر العظيم إذن الذي هز العالم العربي إعلامياً، لدرجة أن أنساه مظاهرات العنصرية وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين؟


درويش يخفي بنتاً له خارج مؤسسة الزواج من سيدة لا أحد يعرف من هي، ولا حتى في أي بلد عربي أو أجنبي تعيش، وسليم لم يذكر شيئاً من هذا، ويبدو أننا لا نقرأ جيداً لغة بلاغية كتلك التي يكتب بها سليم بركات.


فالسياق كان عن مفهوم الأبوة الذي رفضه درويش ليس بسبب عجز جسدي فيه، ولكنه خيار درويش، لأن هذا الأخير كان قادراً على الإنجاب، ويستشهد بتليفون سيدة هاتفته واعترفت له بأبوته لابنتها.

«أبوَّتُه ظلَّتْ تبليغاً موجَزاً من صوتٍ في الهاتف عن ابنةٍ لم تستطع العبورَ من صوتِ أمها إلى سمع أبيها.. لذا فمحمود بلا أبوَّةٍ»، ومع أن الحديث واضح ولا يعني الشيء الكثير، فجأة أصبح درويش غير مرغوب فيه، ووشاية سليم بركات مصدر لعنة لم يبقَ بعدها إلا الشنق في ساحة من الساحات العامة.

درويش ـ سليم هما موضوع الساعة، إذ غطت قضيتهما على العنصرية العالمية، والظلم الإنساني، وكورونا فيروس، ألهذا الحد يهم فراش درويش، وعاطفته، وحياته الجنسية، الأمة كلها؟ درويش إنسان كما جميع البشر، يحب ويكره، يصيب ويخطئ، ومثله سليم الذي لا أعتقد مطلقاً أنه قصد الإساءة لوالده، بل إن السياق واضح وهو رفض درويش لأية أبوة رمزياً ومادياً، إلا إذا أصيبت البصيرة بالعمى في قراءتها للحالة، كما هي الحال اليوم.

في النهاية هل يؤثر ذلك كله على كون درويش شاعراً عظيماً، وسليم الكردي من أهم منارات الرواية العربية؟ ماذا نقول إذن عن آرثر ميلر الذي نقرأه بمتعة؟ كيف سيكون حكمنا على سيرفانتس إذا عرفنا أنه كانت له ابنة من غير زوجته؟ بل ماذا نقول عن كاتب الغريب، كامو، وماريا كازاريس؟ اتركوا الناس وشأنهم واهتموا بأدبهم فهو الأبقى والأجمل.

فسيظل درويش كما كل عظماء العصر، كبيراً، كلما قرأناه، أصبنا بدهشة جديدة، سيرة حياته ربما ستُكتب يوماً ما عندما يقبل المثقف العربي، ليس فقط بالاختلاف، ولكن أيضاً بالحياة الخاصة للكاتب، فربما يكون سليم بركات بـ«زلته» الوجدانية العامرة حباً لدرويش، قد فتح صفحة جديدة في كتابة السير الفنية الخفية في عالمنا الأدبي المغلق.