الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

موقعة الولاء الإلكتروني الافتراضي

في موقعة العالم الإلكتروني الافتراضي، فاز متوهمو الشطارة بجدارة.. أعداء لامرئيون، متخفون متلونون، يدمنون التجوّل في أزقّة مواقع التواصل الاجتماعي، حتى غَدَوا عبيداً لهواتفهم وشاشاتهم إلى الحد الذي يجعلك تجزمُ أن المعركةَ حُسمت، وعلى الجيش المنهزم أن يعود أدراجه مكتفياً من الذهاب بالإياب، فإن كنت تراهنُ على جنود جيشك من سلاح فرسان القراءة، وحاملي لواء العلم، فاعلم أن منصة صواريخك لن يصل مداها إلى منتهى ظلّك، أو بعد باب بيتك أو معتزلك، فالنصيحة لك: لا تغامر في معركة خاسرة، لأن أدواتك متقادمة.

في موقعة العالم الإلكتروني الافتراضي، لا تُجْهِدْ نفسَك بالبحث عن الدراسات في ساحات من يجافون المعارف، وينبذون أصحابها.. لا تبحث عن اسم بروفيسور ستنال شرف التتلمذ على يديه، أو آخر سيناقش أطروحة علمية أمضيت فيها سنوات باحثاً دؤوباً، اعتلّ نظرُك، ووهن عزمُك، وخارت قواك، ووقعت في شباك الكآبة أحياناً، لتنال وسام جدارتك العلمية، ومجدك الأكاديمي الذي توهمتَ يوماً أنه كافٍ ليضعَك في مكانك اللائق.

في موقعة العالم الإلكتروني الافتراضي، وَجِّه محركَ بحثِك صوبَ الذين أهدروا بطاريات هواتفهم في البحث عن القشور والمعدوم واللامعقول.. ابحث عن الفاشنيست وأبطال سوشيال ميديا ممن لهم متابعون ومعجبون، ولا يفوتك أن تتابع مبدعي التفاهات، وبائعي السخافات، ومسوقي الخداعات، وكل من ليس في عقله بضاعة سوى تبديل الأشكال إلى وجوه بلا أرواح.


في موقعة العالم الإلكتروني الافتراضي، لا تُجْهِدْ نفسَك بكتابة كتاب، لأن كتابك إن تعدى عدد حروفه منصة تويتر، فلن يكون له قارئ سواك، لا تُجْهِدْ نفسَك بالبحث عن الإبداع والتفكير خارج الصندوق، لأن الصندوق تم تدميره، فالميدان زاخر بأشباه المبدعين والمقلدين وسارقي الأفكار وجرأة الإنكار.. لا تعاتبْ، لا تقاضِ، لا تنتظرْ، لأن انتظارك سيطول، لا تضيعْ عمرك بحثاً عن سرابٍ اسمُه أصحابُ المعرفة الحقيقية، لأنك ستنتهي في صحراء التيه، ولا تُجْهِدْ ذاتك بأنك على حق، فالحق له وجوه أخرى.


إن نادتك معركةُ العالم الإلكتروني الافتراضي، أو وجدتها على بابك، أو فُرضت عليك، فلا تندهشْ، ولا تغرنّك أسلحتك المتقادمة.. اجعل من غيابك عنها أجملَ انتصار لذاتك قبل أن تتحولَ إلى إصدار افتراضي هو والعدم سواء.. طوبى لمن لا تزالُ لقيمهم ولاء، ولأرواحهم ملامح، ولحضورهم عنوان، رغم معارك آخر الزمان.