الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

إعلامنا.. خبراء بلا رؤية

قبل سنوات، وخلال حضوري منتدى الإعلام العربي، كانت قضية القنوات والمواقع العربية الناطقة بلغات أجنبية من بين القضايا المطروحة للنقاش، وعلى الرغم من كثرة عدد الخبراء، إلا أن ما طرحوه لم يكن مقنعاً بدرجة كافة.. وأثناء جلوسي على طاولة الغداء مع مجموعة من أولئك الخبراء طرحت وجهة نظري، قائلاً: «إن هذه القنوات وتلك المواقع تمهد لتعزيز أيديولوجيات الدول التي تمثلها، وتحاول إقناع المشاهد والمتلقي العربي بها، وسوف تستقطب أبناء العرب في المهجر للعمل إعلامياً ضد دولهم»، ويبدو أن ما قلته كانت مضحكة لهم في هذا الوقت.

وبالعودة إلى جذور القضيَّة، فقد كانت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» سبّاقة في بث إذاعات ناطقة بعدد من لغات العالم، وخاصة العربية، في إطار خدمة الفكر الاستعماري منذ ثلاثينات القرن الماضي، والآن لم يتغير الأمر كثيراً، فلدينا بي بي سي الإنجليزية، وسي إن إن الأمريكية، ودويتشه فيله الألمانية، و24 فرانس الفرنسية، وقناة العالم الإيرانية التي تم غلقها، وتي آر تي التركية، وآر تي الروسية، وغيرها من القنوات التي تبث بالعربية ولديها مواقع إلكترونية باللغة العربية.

هذه المؤسسات الإعلامية المدعومة من القوى العالمية الكبرى، نجحت في الدفع بكوادر تجيد العربية وتحمل جنسيات هذه الدول، بالإضافة إلى كوادر عربية صحفيّة وإعلامية تعرف جيداً خريطة المنطقة، ولديها مقدرة على تقديم الخبر والمعلومة، وبمرور الوقت أصبحت تعبر عن لسان حال الدول التي تنتمي إليها، وهو الأمر الأكثر وضوحاً في قناتي روسيا اليوم، وتي آر تي التركية، خاصَّة في ظل وجود الدولتين على الأرض في الدول العربية.


القضية الآن تتعلق بذهاب المشاهد العربي لهذه القنوات ومواقعها، ولكن الوضع يحمل بعضاً من الخطورة، ولا يمكن إلقاء اللوم على الدول الداعمة لتلك القنوات، كما أنه لا يمكن مطالبة المشاهد العربي بعدم متابعة تلك المنصات الإعلامية، ما يعني أن القضية تتعلق في المقام الأول بالإعلام العربي، وقدرته على جذب المشاهد العربي في القضايا المصيرية المهمة، وليس المسلسلات وبرامج المسابقات والطبخ التي ننفق عليها الملايين.


والحقيقة أن أحد أسرار جاذبية هذه القنوات والمواقع الأجنبية الناطقة بالعربية، أنها تقدم مزيجاً من المواد الثقافية والوثائقية الجذابة، وفي نفس الوقت تطرح أيديولوجيات الدول التي تمثلها، وهو الأمر الذي يجعل مهمتها في الوصول إلى العقل العربي أكثر سهولة، ويجب الانتباه جيداً لهذا الملف ومواجهته بإعلام عربي قوي، ليكون بمثابة المناعة القوية التي تحمي مجتمعاتنا ودولنا.