الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قتل «شيلان» وذويها.. رعب مهول

في رائعته الخالدة «الجريمة والعقاب» يأخذنا دستوفسكي إلى سيكولوجية المجرم نفسه، بعد أن تكون الضحية مجرد وسيلة لعبوره من الشاب الطيب الذي يدرس القانون، إلى الشخص الذي قتل أليونا إفانوفنا وشقيقتها، وبعد رحلة عذاب ضمير شاقة يعترف بارتكاب جريمته ويُسجن 8 سنوات في سيبيريا.

في الأسبوع الماضي، قُتلت حسناء بغدادية هي وعائلتها المكوّنة من الأم والأب، قُتلت بنفس الطريقة التي قُتلت بها شقيقة إفانوفنا، فقط لأنها وأمها أصبحتا دليلَين على جريمة قتل الأب.

حادثة مقتل عائلة الشابة شيلان دارا رؤوف في بيتها وسط العاصمة، تثير ذلك النوع من الرعب المهول في النفس البشرية، لم أستطع منذ سماع الخبر منع مخيّلتي من تصوّر مشهد اللحظات الأخيرة، كيف توقفت الحياة فجأة في لحظة دفء عائلي وسعادة الوجود المشترك في المنزل، وما هي آخر كلمات قالتها هذه العائلة في وجه القاتل؟

كنت أتساءل قبل أن يقع الجاني في قبضة العدالة: أين هو في هذا الوقت؟ وكيف أفطر صباح اليوم التالي مع زوجته وأطفاله أو مع أمه وأبيه؟ وما هو الحديث الشيّق الذي دار بينهم؟ وهل صار يكثر المشي في الشوارع دون وجهة محددة يقصدها؟ وهل أصيب بالحمى والإرهاق كما هي حال بطل دستوفسكي؟ وهل ينتابه ألم في الروح حين يتذكر وجوه ضحاياه؟ وكيف سيقضي حياته وهو ينام ويأكل ويحلم ويضحك وصورة الجريمة المروعة مطبوعة في ذاكرته؟

انتهت حياة شيلان وذويها وتوقّف جمالها البغدادي عن الحضور في صباحات المدينة، ستتذكرها صديقاتها في كلية الصيدلة ويتناوبن على توزيع الدموع بحسرة لانهائية، وستشرق الشمس من جهة النهر ولكن وجه شيلان لم يعد يشرق في منطقة المنصور، الرصيف سيفتقد خطواتها حين لا تفتح باب البيت مرة أخرى وتطل على الحياة بسعادة فتاة عشرينية، لديها كثير من الأحلام والآمال والمخططات والمشاريع والأحاديث التي لم تُستكمل بعد.. كلما فقدنا وجوهاً لطيفة ومسالمة، يزداد عدد الوجوه التي نخافها.